أدت عملية “الإنقاذ الجريء لأربعة رهائن أحياء”، السبت، إلى “رفع الروح المعنوية” في إسرائيل على الفور، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، التي أشارت إلى أنها قدمت “انتصارا مؤقتا” لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
ولكن في غضون 24 ساعة تبين أن “النشوة في إسرائيل” بشأن إنقاذ الرهائن قد تكون “عابرة”، طبقا لتقرير للصحيفة الأميركية.
وتسارعت التطورت في إسرائيل عندما أعلن عضو مجلس الحرب، بيني غانتس، مساء الأحد، استقالته من حكومة الطوارئ التي شكلها نتانياهو في أعقاب الحرب.
وفي مؤتمر صحفي من تل أبيب، قال غانتس إن “الاعتبارات السياسية في حكومة نتانياهو تعرقل القرارات الاستراتيجية في حرب غزة”، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء “يحول دون تحقيق نصر حقيقي ولذلك قررنا مغادرة حكومة الطوارئ”.
ودعا غانتس، نتانياهو إلى تحديد موعد متفق عليه لإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، مضيفا: “لابد من انتخابات تأتي بحكومة وحدة حقيقية صهيونية وطنية”.
وأوضح أن ذلك يجب أن يكون “في أسرع وقت ممكن”، كما دعا غانتس نتانياهو إلى “تشكيل لجنة تحقيق وطنية” في هجمات السابع من أكتوبر التي تعرضت لها البلاد.
“مؤثرة” داخليا وخارجيا
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أن “نتانياهو فقد ثقة الجمهور الإسرائيلي منذ فترة وأن بقاء غانتس أعطاه نوعا من الشرعية في داخل إسرائيل وخارجها”.
وقال شتيرن لموقع “الحرة” إن “غانتس يعتبر رجلا معتدلا وله خبرة في اتخاذ القرارات العسكرية”، مضيفا أن هذه الاستقالة “مؤثرة” داخليا وخارجيا بالنسبة لإسرائيل.
وتابع: “الإدارة الأميركية لا تثق في هذه الحكومة ولا في نواياها … وقد يتغير الموقف الأميركي ويصبح أحد حده تجاهها بعد خروج غانتس الذي يصنف على أنه صاحب موقف معتدل”.
في الناحية المقابلة، قال العضو في حزب “الليكود” الذي يملك الغالبية في الكنيست، مايكل كلاينر، إن غانتس استقال “بسبب انهيار شعبيته في استطلاعات الرأي وأراد أن يوقف هذه الخسائر”.
وقال في مقابلة مع قناة “الحرة” إن “إنجاز تحرير الرهائن من غزة جعله يؤجل قراره 24 ساعة”، مردفا أن غانتس “منذ انضمامه لحكومة الطوارئ كان يوجه انتقادات لنتانياهو”.
وفي وقت سابق الأحد، قالت حماس إن عملية تحرير الرهائن الأربعة أدت إلى مقتل 3 رهائن آخرين، بينهم مواطن أميركي، لكن الجيش الإسرائيلي اعتبرها “كذبة صارخة”.
وكان الهجوم الجوي والبري العنيف الذي رافق عملية إنقاذ الرهائن أدى إلى مقتل عشرات الفلسطينيين، بما في ذلك مدنيون، وفقا لمسؤولي الصحة في غزة، مما “دحض ادعاءات إسرائيل بأن العملية حققت نجاحا باهرا على الأقل على المستوى الدولي”، حسبما ذكرت الصحيفة.
“لن تحل المشاكل”
ويرى محللون أن العملية “فشلت في حل أي من المعضلات والتحديات العميقة التي تزعج الحكومة الإسرائيلية”، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وقال كاتب العمود السياسي الإسرائيلي البارز، ناحوم بارنيا، الأحد، إن مهمة الإنقاذ “لا تحل أيا من المشاكل التي تواجهها إسرائيل منذ 7 أكتوبر”.
وفي إشارة لعملية إنقاذ الرهائن التي وصفت بـ “النوعية”، كتب بارنيا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الشهيرة، “إنها لا تحل المشكلة في الشمال ولا في غزة ولا تحل سلسلة من المشاكل الأخرى التي تهدد إسرائيل على الساحة الدولية”.
والسبت، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذه عملية خاصة في مخيم النصيرات، قام خلالها بتحرير كل من نوعا أرغماني (26 عاما) وألموغ مئير (22) وأندري كوزلوف (27) وشلومي زيف (41)، وفقا للجيش.
وقال شتيرن إن “العملية ناجحة” وتوفر لنتانياهو “انتصارا تكتيكيا”، لكنها “لن تغير الصورة الأكبر في حرب غزة”.
وأشار إلى أن هذه العملية حررت 4 رهائن فقط وأن العدد المتبقي من الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس “لن يعودوا أحياء إلا بصفقة”، على اعتبار أن ليس كل عملية عسكرية ستكون ناجحة، بحسب تعبيره.
وتابع: “المشكلة الاستراتيجية تبقى … نتانياهو كان راضيا جدا لدرجة أنه جاء يوم العطلة اليهودية السبت لمقابلة المخطوفين في المستشفى، ولكن كل هذا لن يغير الواقع بأن الحكومة لا تحظى بثقة الجمهور الإسرائيلي وإنما لديها أغلبية ضئيلة في البرلمان”.
ولا يزال رحيل غانتس يترك ائتلاف نتانياهو القومي الديني مسيطرا على بأغلبية 64 مقعدا في الكنيست (البرلمان) المؤلف من 120 مقعدا.
وبعد مرور 8 أشهر على حربها الطاحنة في غزة، يبدو أن إسرائيل لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة المتمثلة في تفكيك حكم حماس وقدراتها العسكرية، طبقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وتتصارع الحكومة الإسرائيلية اليمينية مع تصعيد الأعمال العدائية عبر الحدود الشمالية مع لبنان ومكافحة العزلة الدولية المتزايدة والازدراء بشأن الحرب في غزة، بما في ذلك دعوى “الإبادة الجماعية” التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية في لاهاي.
واندلعت الحرب إثر هجوم شنته حماس في السابع من أكتوبر، وأسفر عن مقتل 1194 شخصا، غالبيتهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
خلال هذا الهجوم، احتجز المهاجمون 251 رهينة، ما زال 116 منهم محتجزين في غزة، بينهم 41 يقول الجيش إنهم لقوا حتفهم.
في المقابل، شنت إسرائيل منذ ذلك الوقت هجوما جويا عنيفا ترافق مع توغل بري واسع النطاق في قطاع غزة منذ 27 أكتوبر، ما أسفر عن مقتل أكثر من 36 ألف شخص معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وفق سلطان القطاع الصحية.
“لا مفر من ذلك”
ومن المرجح أن يؤدي إنقاذ الرهائن الأربعة إلى تعزيز حجج أولئك الذين يقولون إن الضغوط العسكرية الإسرائيلية على حماس واستمرار العمليات البرية في غزة ضرورية لإعادة بقية الرهائن إلى ديارهم.
وقال محللون إن بعض الرهائن المتبقين ربما يتم نقلهم الآن من المباني السكنية المدنية، مثل تلك التي كانت تؤوي الأربعة الذين تم إنقاذهم، السبت، إلى ظروف أكثر قسوة في الأنفاق تحت الأرض حيث سيكون من الصعب الوصول إليهم.
وقال آفي كالو، وهو ضابط إسرائيلي، رئيس سابق لقسم المخابرات العسكرية الذي يركز على الجنود المفقودين أثناء القتال، إن “حماس ستحاول استخلاص الدروس” من العملية واتخاذ مزيد من الاحتياطات لإبقاء الرهائن بعيدين عن الوصول إليهم.
وتابع: “بالنسبة لحماس، هذه ليست نقطة تحول”، مضيفا أن الحركة لا تزال تحتجز الكثير من الرهائن.
وقال لصحيفة “نيويورك تايمز” إن “أربعة (أشخاص) ليس بالأمر الذي يغير الواقع بشكل كبير”.وتتزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى اتفاق مع حماس لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين.
لكن مصير الاقتراح الإسرائيلي للهدنة وتبادل الرهائن والأسرى، كما أعلن عنه الرئيس الأميركي، جو بايدن، قبل أكثر من أسبوع، لا يزال غير مؤكد.
وتقول إدارة بايدن والمسؤولون الإسرائيليون إنهم ما زالوا ينتظرون ردا رسميا من حماس لتحديد ما إذا كان من الممكن استئناف المفاوضات.
ويناقش الإسرائيليون الآن ما إذا كانت عملية إنقاذ الرهائن ستساعد أو تعيق احتمالات التوصل إلى مثل هذه الصفقة – وهي صفقة، إذا تم تنفيذها، يمكن أن تهدد قبضة نتانياهو على السلطة، مع تعهد اليمين المتشدد في ائتلافه الحاكم بالانسحاب وإسقاط حكومته.
وفي هذا الإطار، قال شتيرن إن إسرائيل وحماس “بحاجة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل لصفقة؛ لأن المصلحة الكبرى لهما تقضي باستمرار المحادثات”، مضيفا: “لا مفر من ذلك”.