ضمن سلسلة منشورات تنسب للحضارة المصريّة القديمة اكتشافات وإنجازات خارقة، تداولت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيّما في مصر منشورات تدّعي أن “البحيرة المقدسة” في مدينة الأقصر في جنوب مصر لم تجفّ مياهها منذ ثلاثة آلاف سنة، بل حافظت على منسوبها كما هو من دون زيادة أو نقصان.
وجاء في المنشورات المتداولة أن مستوى الماء في هذه البحيرة “ثابت ولا يتغير بدون زيادة أو نقصان لأكثر من 3000 سنة، بالرغم من عوامل التعرية والضياع والتسرب والتبخر على مر العصور”
لكن هذه المنشورات أغفلت أن البحيرة جفّت في عصور سابقة وأنّ منسوب المياه فيها حالياً يعود لتجهيزات وضعتها سلطات الآثار المصريّة، وليس بفضل هندستها القديمة أو أي ميزات خارقة لها.
وأضافت المنشورات أنها “البحيرة المقدسة في الأقصر (..) إحدى عجائب الحضارة المصرية القديمة”.
وعلى غرار المنشورات التي تتغنى بالحضارة المصريّة القديمة، حصد هذا المنشور آلاف المشاركات وعشرات آلاف التفاعلات على مواقع التواصل من فيسبوك وإكس.
تقع هذه البحيرة في معبد الكرنك، الأكثر شهرة في الأقصر جنوب مصر، الذي يُعدّ أوسع متحف أثريّ مفتوح تعددت معابده عبر مئات السنين.
البحيرة المقدّسة
ويقول الطيب غريب، المدير العام لمعابد الكرنك، إن البحيرة بالفعل “أعجوبة”، إذ “نجح قدماء المصريين في تصميمها بشكل يجعل مياهها بمنسوب ثابت لا يتغيّر، فهي كانت موصولة في البداية بما يشبه الممرّ المائيّ الحجريّ”.
وتعود هذه البحيرة لعهد الملك تحتمس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، التي حكمت مصر في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
وتقع البحيرة خارج البهو الرئيسي لمعابد الكرنك، وكانت تُعتبر في مصر القديمة مكاناً للملك وللكاهن الأكبر للتطهّر والاغتسال قبل دخول غرفة قدس الأقداس، الغرفة الأهم في المعبد.
وإضافة إلى ذلك، كانت البحيرة تستخدم لغسل أنواع من الطيور قبل ذبحها سواء للملك أو للكهنة، بحسب الطيّب غريب.
حقيقة المنشور
لكن ما جاء في المنشورات المتداولة على مواقع التواصل ينطوي على مبالغات أو عدم دقّة، بحسب الخبراء الذين استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس.
ويقول أيمن أبو زيد، رئيس الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية بالأقصر “البحيرة في الوقت الحالي يجري التحكّم في مياهها صناعيًا عبر خراطيم مياه (..) بخلاف ما كان يحدث في الماضي، إذ كان الأمر يجري بشكل طبيعي أكثر، بمياه تأتي للبحيرة من نهر النيل مباشرة”.
يؤيّد ذلك المدير العام لمعبد الكرنك، ويقول لصحفيي خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس “البحيرة كانت موصولة في البداية بما يشبه الممرّ المائي الحجري لتوصيل المياه من النيل وحتى البحيرة، لكن حاليًا يتمّ توصيل المياه عبر مواسير وخراطيم حديثة”.
ويضيف “يجري تغيير المياه بشكل دوريّ من شهر لشهرين بهدف تنقية البحيرة”.
وقد تعرّضت البحيرة للإهمال في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، قبل أن يُعاد تنظيفها وتأهيلها.