قالت صحيفة نيويورك تايمز إن المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى الولايات المتحدة كانوا لعقود من الزمن يُرسلون إلى منشأة في خليج غوانتانامو بكوبا، حيث تتم مراقبة مكالماتهم مع المحامين، ويجبرون أحيانا على ارتداء نظارات تعتيم.
وأوضحت الصحيفة في تقرير بقلم حامد العزيز من واشنطن أن المهاجرين الذين يرسلون إلى خليج غوانتانامو المعروف أكثر بأنه معسكر وسجن أميركي للمشتبه بهم في الإرهاب كانوا يحتجزون في مكان منفصل، لكنهم يوجدون في شكل من أشكال الفراغ القانوني محاصرين في قاعدة عسكرية تعمل خارج قوانين الهجرة الأميركية.
وكان الوضع غامضا دائما في ذلك المكان ولا توجد معلومات عامة عما يحدث فيه -كما تقول الصحيفة- ولكن التقارير الحكومية الداخلية ومقابلات مع المهاجرين وجماعات المناصرة ألقت الآن المزيد من الضوء على الظروف في غوانتانامو.
ونسبت الصحيفة إلى ألبرتو كورزو -الذي فر من بلاده مع زوجته و3 أبناء وحفنة من المتسللين في قارب خشبي صغير أمضى شهرا في بنائه- قوله إنه غادر كوبا على أمل العثور على الحرية، ولكن خفر السواحل أوقفهم وسلمهم إلى غوانتانامو، وهناك “شعرنا وكأننا سجناء الولايات المتحدة مع بعض الامتيازات”.
ومع أن وزارة الأمن الداخلي قالت للصحيفة إن المهاجرين يُحتجزون في منشأة تتفق مع سياسات الرعاية والإسكان فإن مفتشي الوكالة الذين زاروا المنشأة في مارس/آذار 2023 للنظر في الشكاوى المقدمة من جماعات المناصرة وجدوا سببا للقلق، وأوصوا بأن تتوقف الإدارة عن احتجاز الأطفال في غوانتانامو تماما، وأن تجلب الأسر إلى الولايات المتحدة لمعالجتها بدلا من ذلك.
فحص اللجوء في البحر
وقالت الصحيفة إن المهاجرين الذين ينطلقون من دول مثل كوبا وهاييتي إذا تم القبض عليهم في البحر واجتازوا فحص اللجوء يُمنحون خيارا بين العودة للبلد الذي كانوا يحاولون الهروب منه أو الذهاب إلى غوانتانامو ومحاولة العثور على دولة أخرى لاستقبالهم لأنهم لا سبيل لديهم لدخول الولايات المتحدة.
وعلى عكس المهاجرين الآخرين لا يمكن البحث عن أولئك الموجودين في غوانتانامو في قاعدة بيانات المحتجزين العامة، ولا تعتبر وزارة الخارجية هؤلاء المهاجرين محتجزين.
وقالت الوزارة “إن أحكام قانون الهجرة والجنسية ولوائح الهجرة التي تحكم اللجوء والحماية من الإبعاد وإجراءات الإبعاد لا تنطبق على المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في البحر”.
وقال كورزو -وهو صحفي كوبي- إنه تعرض للضرب من قبل عملاء الحكومة، وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين وصوت أميركا أحد الاعتداءات، وقد قرر كورزو هو وعائلته أن العودة إلى الوطن ليست خيارا، فوُضعوا في خليج غوانتانامو.
ويتذكر كورزو أنه طلب منه وضع رأسه على المقعد الذي أمامه وأن نوافذ الشاحنة كانت مظللة، وقال بعض الأشخاص إنهم أجبروا على ارتداء نظارات تعتيم أثناء الرحلة عبر القاعدة، وقد أبلغت إدارة الهجرة والجمارك الأميركية المفتشين بأن هذه التدابير ضرورية “للحفاظ على سلامة وأمن عمليات القاعدة العسكرية الأميركية”.
ويحصل المهاجرون -حسب الصحيفة- على 30 دقيقة في الأسبوع لإجراء مكالمات هاتفية، وكلها تخضع للمراقبة، ولا تجوز لهم مناقشة مرافق القاعدة ولا المعلومات المتعلقة بالمهاجرين الآخرين ولا “المعلومات التي تشوه أو تبالغ” في معاملتهم، وفقا لنسخة من القواعد.
ويخضع المهاجرون لحظر تجول من غروب الشمس حتى صباح اليوم التالي، ويمكنهم مغادرة المنشأة أثناء النهار إذا تمت الموافقة على ذلك، وبإمكانهم أيضا الحصول على وظائف على الجانب الآخر من الجزيرة، لكن الوصول إلى المستشار القانوني محدود.
وقد أثار مشروع المساعدة الدولية للاجئين -وهي مجموعة مناصرة للمهاجرين- مخاوف وزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي، وقالت منظمة “إيراب” إن “الأشخاص الذين تمت مقابلتهم تحدثوا عن علامات التدهور والإهمال، كالمراحيض التي تنفث مياه الصرف الصحي، وكمشكلة السباكة المعروفة في السجون، ونمو الفطريات على الأسقف والجرذان التي تركض في الغرفة”.
بين الحرية والأسر
وخلص تقرير المنظمة إلى أن الظروف كانت سيئة، خاصة للأطفال، وكتب طبيب أطفال في مستشفى البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو مذكرة تفيد بأن طفلين هناك بحاجة إلى الخروج من الجزيرة، وقال “إن رأيي الطبي هو أن هذه الظروف سوف تستمر في التدهور دون علاج مناسب”.
كما أعرب مفتشو وزارة الأمن الداخلي في تقريرهم عن قلقهم من أن “الأضرار” التي قد تلحق بالأسر والأطفال في المنشأة “تفوق سياسات الردع التي تنتهجها الوزارة”، ولكن دائرة الهجرة والجمارك اعتذرت لهم بأنها لا تستطيع أن ترفض من جانب واحد احتجاز الأطفال في المنشأة، وأحالت الأمر إلى مجلس الأمن القومي.
ومع استمرار وجود أسرة كورزو في غوانتانامو شعرت بأنها محاصرة بين الحرية والأسر، وقالت مارثا ليزيت سانشيز زوجة كورزو “إنه مكان معزول للغاية، إنه معزول عن العالم”.
وقال كورزو “لا أعتقد أنه ينبغي احتجاز العائلات في غوانتانامو، فالأطفال يحتاجون إلى الحرية والتواصل الاجتماعي، يحتاجون إلى الشعور بالأمان، كما يحتاجون إلى الذهاب إلى المدرسة”.
وقال المسؤول السابق في وزارة العدل لوكاس غوتنتاغ إن غوانتانامو كان وسيلة للحكومة لتجنب الرقابة، مضيفا أن “وضع العائلات في مكان لا توجد فيه الرقابة القانونية والدستورية يجعل هذه العائلات أكثر عرضة للمعاناة وسوء المعاملة”.