تواجه ليبيا ملفا شائكا يتعلق بالمقابر الجماعية، حيث أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، الأربعاء، عن اكتشاف 21 جثة جديدة مجهولة الهوية في منطقة بئر الأسطى ميلاد بتاجوراء (شرق طرابلس) ليرتفع عدد الجثث المكتشفة بالمقبرة إلى 46 جثة خلال 10 أيام.
وكانت الهيئة (مؤسسة رسمية) قد أعلنت في 22 أكتوبر الجاري عن اكتشاف واستخراج 9 جثث من مقبرة في منطقة بئر الأسطى ميلاد، ليتضح لاحقا أن المقبرة تضم المزيد من الرفات المجهولة الهوية.
تبعا لذلك، وصل مجموع الجثث المكتشفة، الاثنين، إلى 25 جثمانا، ثم ارتفع إلى 46 بعد اكتشاف المزيد من الرفات، الأربعاء.
وتعهدت الهيئة في بيان بأنها ستواصل جهودها للكشف عن مصير المفقودين وتقديم الدعم لذويهم، وأن فرقها باشرت أخذ عينات من الرفات المكتشفة لتحديد سبب الوفاة.
وأعاد هذا الاكتشاف إلى الواجهة ملف المقابر الجماعية الذي سبق لسلطات هذه البلد المغاربي أن شبهته عام 2021 بـ”مذابح البوسنة والهرسك”، ما يثير تساؤلات حول حجم الانتهاكات التي شهدتها البلاد خلال فترة الصراع التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي في أكتوبر عام 2011.
مقابر وجثث بالمئات
وتعد المقبرة الأخيرة واحدة ضمن مقابر كثيرة اكتشفتها الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين في عدد من أنحاء البلاد، لعل أبرزها مقبرة ترهونة جنوب شرقي العاصمة طرابلس التي اكتشفت بها المئات من الرفات.
ويقتصر عمل الهيئة على الاستجابة لحالات الاشتباه بوجود مقابر جماعية وتتكلف بمهمة استخراج الجثث وإصدار تقارير الطب الشرعي وبجمع العينات من أسر الضحايا لمطابقتها مع الجثامين المكتشفة، ولا تتدخل في التحقيقات القضائية، بحسب توضيحات قدمها رئيسها، كمال أبوبكر السيوي، في حوار سابق مع “أصوات مغاربية”.
وكشف تقرير أصدرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع لأمم المتحدة، في أغسطس الماضي، أن عدد الجثث المكتشفة في مقابر ترهونة بلغ 353 جثة، 235 منها حددت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين هويتها.
وتقع مدينة ترهونة على بعد 90 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة طرابلس وكانت تسيطر عليها ميليشيا “الكاني” التي تحالفت مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر، خلال هجومه على طرابلس في 2019.
وتتضارب الأرقام حول العدد الحقيقي للمقابر في مدينة ترهونة بين من يقول إن عددها 35 مقبرة جماعية فيما تشير منظمات حقوقية ودولية إلى أن العدد يتجاوز هذا الرقم.
وبينما تصر الجهات الرسمية على إبقاء هذا الملف تحت وصاية القضاء الليبي، تطالب أوساط أخرى بـ”تدويله” حتى يتسنى لهيئات دولية المشاركة في التحقيق وفي ملاحقة المتورطين.
وكانت مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، حنان صلاح، قد طالبت من المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بـ”التحقيق في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة في حال عجزت السلطات الليبية عن إجراء مساءلة محلية عن الفظائع ضد أهالي ترهونة”.
وقالت في تصريحات عام 2021، إن “أقارب المئات من الذين اعتُقلوا تعسفا وعذبوا أو أُخفوا ووجدوا فيما بعد في مقابر جماعية ما زالوا ينتظرون العدالة”.
وليست ليبيا طرفا في “نظام روما الأساسي” الذي بموجبه تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 1998، لكن ولايتها جاءت بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 الصادر في 2011، والذي أحال بالإجماع الوضع في ليبيا منذ 15 فبراير 2011 إلى المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها.
من جانبها، أفادت منظمة “رصد الجرائم في ليبيا” في تقريرها السنوي الأخير بأن “مكتب النائب العام تلقى السنة الماضية 521 شكوى تخص موضوع المقابر الجماعية، 194 منها تم قبولها وإحالتها إلى النيابات، بينما لا تزال 327 قضية قيد التحقيق”، مشيرة إلى أن الجهات القضائية قامت باستثناء 17 قضية من التحقيق لنقص الأدلة والشهود”.
مطالب بمنع الإفلات من العقاب
ويطالب أهالي الضحايا والمفقودين السلطات الليبية بتحقيق العدالة لأبنائهم وملاحقة الجناة الذين صدرت في حق بعضهم أوامر قبض وما زال عدد منهم طلقاء.
وتعليقا على التحقيقات المنجزة في الملف، قال التقرير الأخير للبعثة الأممية ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، إنه ورغم الجهود المبذولة “ما يزال تحقيق المساءلة عن الجرائم التي ارتكبت في ترهونة بعيد المنال”.
وأضافت “ويرجع ذلك جزئيا إلى الولاءات والتحالفات السياسية الممتدة بين الجناة المزعومين، حيث تمكن البعض منهم من الفرار إلى دول مجاورة وبين الأطراف المتنفذة في المؤسسات السياسية والأمنية الليبية المتمركزة في شرق البلاد وغربها”.
واستبعد التقرير إمكانية تحقيق “مصالحة مستدامة” في البلاد دون عدالة تجبر الضرر وتنصف أقارب الضحايا.
بدورها، قالت “رابطة ضحايا ترهونة” في بيان صدر الأسبوع الماضي إن الإفلات من العقاب “يمنح المجرمين فرصة غير مستحقة للتهرب من مسؤوليتهم، مما يشجعهم على ارتكاب المزيد من الانتهاكات”.
ودعت الهيئة الحقوقية إلى مناصرتها في حملتها للحد من الإفلات من العقاب وللضغط على السلطات “لاتخاذ التدابير اللازمة لضمان ملاحقة المتورطين في الجرائم الجنائية الجسيمة وحث التشكيلات المسلحة على تسليم المطلوبين من أفرادها للعدالة”.
المصدر: موقع الحرة