نواكشوط- بالقرب من مبنى البرلمان الموريتاني يجلس الشاب محمد (28 عاما) وسط عشرات الشباب المتطوعين في الغرفة المركزية لإدارة حملة مرشحه على رأس اللائحة الوطنية للشباب عن حزب الوحدة والتنمية، سعيا للوصول ببرنامج مرشحه إلى أكبر قطاع ممكن من الشباب قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في البلاد 13 مايو/أيار الجاري.
محمد ليس الوحيد الذي ينشط لدعم مرشحه في الانتخابات البرلمانية فهناك كتل شبابية أخرى أغلبها من مواليد عقد التسعينيات من القرن الماضي تسعى لإيصال مرشحها الذي تعرفت عليه من خلال صفحته على الفيسبوك أو مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى لقبة البرلمان.
فلم يكن المرشح لنيابيات نواكشوط الغربية الحسن لبات، يعرف هؤلاء قبل انطلاق حملته وإعلان برنامجه الانتخابي وخوض جولاته الميدانية، ويقول لبات للجزيرة نت إنه بعد أن تعرف عليهم أصبح أغلب طاقمه من الشباب وقد أثبتوا قدراتهم في التنظيم والتعبئة، وأغلب المترشحين في لائحته من الشباب ومديرة حملته فتاة لا يتجاوز عمرها 24 عاما.
ويتطلع الشباب الموريتاني بعد أن عانى من الإقصاء لعقود من الزمن منذ أن بدأ المسار الديمقراطي في البلاد، إلى المشاركة بشكل فعال في الحياة السياسية هذا العام، عبر الانتخابات البرلمانية من أجل فرض وجوده في مراكز صنع القرار وتجديد دماء البرلمان الموريتاني.
وستكون الانتخابات البرلمانية المقررة السبت المقبل هي أول استحقاقات يتنافس فيها الشباب الموريتاني بواسطة 25 حزبا على لائحة وطنية خاصة بفئة الشباب، كما تشهد مشاركة عدد من الوجوه الشابة تتنافس في عدة دوائر أخرى على مقاعد برلمانية وجهوية وبلدية.
مؤشر جيد
ويعتقد الدكتور محمد عبد الجليل المرشح على رأس اللائحة الوطنية للشباب عن حزب الوحدة والتنمية (من أحزاب الأغلبية) أن الحماس المتزايد لدى الشباب في هذه الانتخابات مؤشر جيد “يبشر فعلا أننا قادمون إلى مرحلة أخرى ستشكل اندفاعا أكثر لدى الشباب واهتماما بالعملية السياسية أو بضرورة الدخول إلى العمل السياسي”.
أما الحسن لبات فيرى أن الشباب سيشارك هذه المرة بكثافة، مضيفا أن مقاطعة “تَفْرَغ زينة” على سبيل المثال من بين ناخبيها البالغ عددهم 90 ألفا نحو 20 ألف ناخب شاب يشاركون لأول مرة في الانتخابات، وهؤلاء سيصوتون فقط حسب قناعاتهم.
وفي حديثه للجزيرة نت يقول المرشح على رأس اللائحة الوطنية للشباب عن تحالف دولة العدل المعارض يعقوب ولد لمرابط “إن الشباب متحمس نسبيا لأنه من خلال هذه الفرصة البسيطة يتطلع لفرض تغيير رغم إبعاده عن إمكانيات المراقبة التي تضمن شفافية الانتخابات”.
ولا يتوقع ولد لمرابط أن يكون هناك تأثير كبير للشباب “لأن الأدوات والأساليب حسب رأيه لم تتغير بل أصبح النظام يؤسس لدولة القبائل بدلا من تحسين الوضع الديمقراطي للبلد وحرية الرأي وحرية الاختيار”.
نسق دعائي
ولإقناع الناخبين ببرامجهم الانتخابية، انتهج الشباب الموريتاني أساليب دعائية متنوعة بعيدا عن النسق التقليدي، وتباينت أشكال وصور الدعاية التقليدية والمبتكرة للمرشحين سواء الجولات الميدانية في الأسواق والشوارع، أو الرحلات الترفيهية والسياحية للناخبين وطواقم الحملة، فضلا عن المسيرات والمسابقات الرياضية في كرة القدم والألعاب التقليدية في مقرات الحملات الدعائية.
ويركز أغلب الشباب في دعايته على مواقع التواصل الاجتماعي، عن طريق الكتابات والفيديوهات القصيرة والبث المباشر، والنزول إلى الميدان والحديث المباشر مع المواطن بأسلوب يتسم بالصراحة والصدق والوضوح.
ويشير المرشح ولد عبد الجليل إلى أن الشباب يجب أن يركز في الوقت الحالي على تقديم مشروعات سياسية تهدف إلى الإنصاف والإصلاح، وأن يقدم نفسه كبديل قادر على تقديم مشروع سياسي أكثر جذبا وأكثر قدرة وأكثر اندفاعا إلى إحداث عملية إصلاح واسعة على مستوى العمل البرلماني، وعلى مستوى كذلك العمل الانتخابي بمختلف هيئاته اللامركزية كالبلديات والجهويات وغير ذلك.
مشاركة دون المتوقع
ويعتقد كثير من المحللين السياسيين أن مشاركة الشباب عموما ما زالت دون المستوى المطلوب، وأن الأحزاب السياسية وجدت نفسها فقط مرغمة بقوة القانون إلى أن تشرك الشباب في العملية السياسية الحالية، وهو ما تؤكده الإحصائيات المقدمة من لجنة الانتخابات.
ففي تصريح مقتضب خاص بالجزيرة نت قال المستشار في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أبو بكر شيخنا إن نسبة المترشحين من الشباب بلغت في المجالس البلدية 42%، وفي المجالس الجهوية 44%، ووصلت إلى 34% في النيابيات المقاطعية.
ويقول المرشح ورئيس حركة “كفانا” يعقوب ولد لمرابط إن القوى الشبابية حتى الساعة لم تشارك بشكل منظم وإنما شاركت مكرهة عن أحزاب سياسية أخرى، لأن وزارة الداخلية ما زالت ترفض الترخيص للأحزاب الشبابية المستقلة من أجل أن تظل القوى الشبابية تابعة للقوى التقليدية.
دوافع جديدة
لا يخفي المرشح الشاب الدكتور محمد عبد الجليل النقاط الإيجابية المسجلة لصالح الشباب في الانتخابات الحالية، ويقول للجزيرة نت: “إن أهم شيء جديد في المرحلة الحالية هو ما ترتب عن اتفاق القوى السياسية بمختلف تشكيلاتها وأنماطها في استحداث لائحة خاصة بالفئة الشبابية، رجالا ونساء، وهذا ما جعل الكثير من الشباب متحمسين في هذه الانتخابات أكثر من غيرها من الانتخابات الماضية”.
أما المرشح يعقوب ولد لمرابط فلا يرى هذه النقطة إلا شكلية، مضيفا أنه توجد لائحة شبابية محددة في العمر ما بين 25 إلى 35 ولكن دون الاهتمام بالأولويات لدى الشباب، كان يجب حسب تعبيره أن تكون هناك تنمية اقتصادية واجتماعية قبل كل شيء.
ويرجع بعض السياسيين عزوف الشباب عن السياسة والشأن العام لأسباب اجتماعية واقتصادية، منها تفشي الفساد الإداري والمالي وارتفاع نسبة البطالة، لذلك -حسب هؤلاء- لم تعد السياسة من أولويات الشباب لأنها لم تغير من الواقع الاقتصادي ولم يعد يثق بالمشاركة الفعلية.