الجزائر– تسابق السلطات الجزائرية مؤخرا الزمن لدفع شبح الجفاف والعطش، وضمان أمنها المائي، بفعل استمرار شح الأمطار، الذي حل بها خلال العشرية الأخيرة، على غرار دول المنطقة.
وكشف سفيان زعميش، مسؤول الشركة الجزائرية للطاقة، في آخر حصيلة لها، عن رفع عدد محطات تحلية مياه البحر إلى 19 محطة في أفق 2024، إذ جرى برسم البرنامج الأول إنجاز 11 محطة على الشريط الساحلي بقدرة إنتاجية تبلغ 2.11 مليون متر مكعب يوميا.
كما أنجزت الحكومة، في إطار المخطط الاستعجالي، 3 محطات أخرى بقدرة 70 ألف متر مكعب يوميا، موازاة مع إنجاز 5 محطات إضافية بعنوان البرنامج التكميلي، وهو ما سيوفر 1.5 مليون متر مكعب يوميا بـ5 محافظات في أفق 2024.
وتهدف الإستراتيجية الوطنية للمياه 2021-2030 إلى تلبية حاجة الجزائريين من ماء الشرب عن طريق تحلية مياه البحر بنسبة تصل إلى 60%.
ويتم حاليا تغطية 17% من الاحتياجات بالمياه المحلاة، وفق الأرقام الرسمية، وسترتفع تدريجيا لتصل إلى 22% عام 2022 و42% عام 2024 و60% في سنة 2030.
كما ستستفيد ولايات الجنوب من برنامج نزع الأملاح من المياه الجوفية، مما سيؤمّن إمدادات المياه لسكان الصحراء، حسب تعهدات الحكومة.
استثمارات ضخمة
وتؤكد أرقام وزارة الري توفّر الجزائر حاليا على 75 سدا في طور الاستغلال و5 سدود أخرى ستدخل حيز الخدمة قريبا و5 سدود قيد الإنشاء، بينما لا تمثل السدود إلا 33% من الموارد المائية المنتجة وطنيا، مقابل 50% من المياه الجوفية و17% ناتجة من محطات المعالجة والتصفية.
وتشير معطيات الوزارة ذاتها إلى أن مخزون المياه الجوفية في الجزائر يعادل 7.5 مليارات متر مكعب، بنسبة استعمال تتراوح سنويا بين 51% إلى 52%، حيث تتركز 2.5 مليار متر مكعب في الشمال، في حين يقدّر مخزون المياه بالجنوب بنحو 5 مليارات متر مكعب.
وتصنف دراسات أكاديمية محلية الجزائر ضمن الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، حيث تقدر نسبة الاستهلاك السنوي للفرد بأقل من 600 متر مكعب، في حين يحدد البنك الدولي النسبة بمقدار ألف متر مكعب سنويا.
من جهة أخرى، تستهلك الجزائر في جميع القطاعات ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الماء سنويا، بينما تفوق حاجاتها 20 مليار متر مكعب، وفق تقديرات الخبراء.
ولتلبية ذلك، بلغت استثمارات الجزائر في قطاع الري والموارد المائية 23 مليار دولار بين عامي 2001 و2016، لإنجاز السدود، ومحطات تصفية مياه البحر ومياه الصرف الصحي، وفق تصريحات سابقة لمسؤولين وخبراء.
نتائج مهمة
وفي تقييمه لجهود الحكومة الجزائرية، قال إبراهيم موحوش، الاستشاري في الري واستصلاح الأراضي وتطويرها، إن القطر الجزائري يقع في قلب المنطقة الجغرافية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تشتهر بعجزها المائي الشديد، نتيجة عوامل مناخية عدة، أبرزها قلة هطول الأمطار وسوء توزيعها في الزمان والمكان.
واعتبر -في تصريح للجزيرة نت- أنه بالرغم من ارتفاع تكلفة المتر المكعب من المياه المحلاة في الوقت الحالي، فإنها تبقى واحدة من أفضل الإستراتيجيات التي يجب تبنيها لمحاربة وتخفيف حدة نقص المياه في الجزائر.
وأكد أن نتائج البرنامج المتعلق بعملية تحلية المياه مهمة لأقصى حد، حيث لم تكن الجزائر تعرفها قبل 20 عاما، بينما يتجاوز الإنتاج اليومي حاليا من المياه المحلاة أكثر من مليوني متر مكعب، يستفيد منها ما يفوق 17% من السكان.
ومع ذلك، فإن مشكلة نقص المياه ستبقى مطروحة بشكل حاد وخطير، وفق تقدير الخبير موحوش، خاصة على القطاع الزراعي الذي يستهلك 70% إلى 75% من قدرات المياه في البلاد.
وشدد المتحدث على أن فرص نجاح البرنامج الوطني لتعبئة الموارد المائية لن يكون سهلا، لأن نقص المياه في الجزائر كبير جدا وفي تزايد مستمر، خاصة في الشمال.
ويستوجب الأمر، حسب أستاذ الأمن الغذائي والمائي بالمدرسة الوطنية العليا للفلاحة بالجزائر، التوسع من أجل تثمين كل الموارد المائية، سواء كانت سطحية أو جوفية أو تقليدية أو غير تقليدية.
ودعا الخبير موحوش -عضو المجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجي في الجزائر- كذلك إلى إعادة استعمال مياه الصرف الصحي التي تقدر بأكثر من 1.5 مليار متر مكعب سنويا، تتم معالجتها حاليا بواسطة 220 محطة منتشرة في جميع أنحاء الوطن.
أما أكبر فرصة متاحة للجزائر فهي الاستعمال الأمثل لـ30 ألف مليار مكعب من المياه مخزنة في الطبقات “الجوفية الكبيرة”، شريطة العناية الخاصة، لا سيما ما يتعلق بارتفاع ملوحتها وعمقها ودرجة حرارتها نسبيا، علما أنها لا تتجدد إلا قليلا، حسب ما يرى موحوش.
حلول للأجيال القادمة
ومن جهته، يعتقد أحمد كتّاب، الاستشاري والخبير الدولي في أكاديمية المياه بفرنسا، أن الرؤية والإستراتيجية الجديدة للمياه في الجزائر تهدف إلى تعزيز الخبرات المربحة، وإعطاء زخم جديد للجهود التي تبذلها السلطات العامة، فيما يتعلق بالاقتصاد المائي والمياه والإدارة الجيدة والربحية.
وأوضح في تصريح للجزيرة نت أن الحلول موجودة ومتعددة للأجيال القادمة، لأن الجزائر لديها قدرات حقيقية للتغلب على أزمة المياه، شريطة وضع سياسة فعالة بحلول 2030 بداية، و2050 فيما بعد، تُمكّنها من استغلال مواردها المائية في الشمال والجنوب، وتوفير المياه لجميع الجزائريين بسهولة كمًا ونوعا.
ولأجل ذلك، يقترح كتّاب -وهو عضو مجلس إدارة معهد مياه البحر الأبيض المتوسط- إنشاء “المجلس القومي للأمن المائي” تحت السلطة العليا لرئيس الجمهورية، على أن يكون مسؤولا عن تحديد الخطوط العريضة للسياسة الوطنية للمياه وتقييم خياراتها وتأثيرها، وكذا تطوير آليات مراقبة تنفيذها.
وطالب بوضع “ميثاق مياه توافقي” من خلال إشراك أكبر عدد ممكن من المؤسسات (العامة والخاصة)، والخبراء والمجتمع المدني، في صياغة واقتراح قانون جديد للمياه وبرنامج على مدى 5 سنوات بأهداف واضحة وميزانية كبيرة.
كما دعا كتّاب -الذي يشغل أيضا منصب عضو مجلس المياه العالمي- إلى مراجعة الهيكل التنظيمي لوزارة الموارد المائية والشركات الكبرى والمؤسسات التابعة لها في الجزائر، موازاة مع تنشيط مجموعة الدراسات والإنجازات المائية، حتى تكون رائدة وطنيا وأفريقيا، على حد تعبيره.
واقترح الخبير الجزائري كذلك استحداث مركز لبحوث المياه وتحليتها على وجه الخصوص، مع هيئة تنظيمية لخدمات المياه، وتحسين التعاون الدولي في القطاع، من خلال تنشيط المؤتمر الدولي للسدود الكبيرة ومع مجلس المياه العالمي، واللجنة الدولية للري والصرف، إضافة إلى إبرام اتفاقية عالمية مع مختبرات أبحاث المياه الجزائرية.
ويدافع الخبير أحمد كتّاب عن مراجعة مهام وصلاحيات شركات المياه، (خسائر شبكات مياه الشرب تتراوح ما بين 40% إلى 50%)، إضافة إلى تأسيس شرطة خاصة بالمياه.
ومن جهة أخرى، يعرض حزمة من المقترحات التقنية الأخرى المباشرة، على غرار:
- وضع عدادات المياه الإلزامية في كل مكان.
- تقليل تبخر المياه في السدود.
- تطبيق أسعار جديدة وعادلة.
- معالجة المياه الصناعية ومياه الصرف المنزلية وإعادة استخدامهما.
- جمع مياه الأمطار لكل بيت أو مبنى.
- محاربة ترسب الطمي في السدود (الذي يسبب فقدان 30 إلى 40 مليون متر مكعب من المياه كل عام).
- استخدام الطاقة الحرارية الأرضية لإنتاج الخضروات المبكرة.
وفي الختام، يرافع الخبير كتّاب من أجل وضع خطة عمل مع وزارة التربية الوطنية، للتعريف بأهمية المياه واقتصادها، وتكثيف التدريب التوعوي وسط الصحفيين والأئمة والحقوقيين، من أجل ترشيد الاستهلاك والتوعية بأهمية الثروة المائية.