جنيف- تشتهر سويسرا بصناعة الساعات منذ النصف الثاني من القرن السابع عشر على يد صانع الساعات دانيال جان ريتشارد في منطقة جورا، وذلك عندما كشف النقاب عن أول ساعة سويسرية في عام 1681.
ولأكثر من 4 قرون، قامت علامات تجارية عديدة بتطوير شكل وقوة الساعات لتجعلها اليوم تتربع على عرش هذه الصناعة دون منازع.
وتحظى الساعات الميكانيكية بمكانة خاصة نظرا لجمال وتعقيد حركتها التي أنتجتها أنامل وخبرة حرفيي صناعة الساعات، والذين أثبتوا التزامهم بهذا الفن المتوارث عبر الأجيال.
وفي متجر “إنيسيوم” الواقع في مدينة جنيف القديمة، التقت “الجزيرة نت” مدير ورشة صناعة الساعات كونتان ميرور وزميلته ميليسا كاسوني لخوض تجربة فريدة من نوعها، نسافر فيها عبر الزمن لاستكشاف جانب آخر من عالم ساعات سويسرا الميكانيكية.
تجربة مميزة
تبدأ الورشة بإلقاء نظرة أولية على شكل وجمالية الساعة الميكانيكية للتعرف عن قرب على مختلف مكوناتها، قبل الشروع في مراحل تفكيك القطع وإعادة تركيبها، وهي عملية تتطلب دقة عالية وذاكرة قوية، والتحلي بالصبر.
ويقول كونتان ميرور إن صناعة الساعات تمثل هوية سويسرا بشكل عام، وتجعل السياح مهتمين باكتشاف البلد “لكن فكرة ورشتنا الخاصة تتمثل في منح فرصة التعرف على جانب مختلف من هذه الصناعة من خلال معرفة تفاصيل إنتاج الساعة وصعوبة العمل الذي يقوم به الحرفيون”.
وأضاف ميرور، في حديثه للجزيرة نت، “يتم تفكيك وإعادة تجميع قطع الساعة، ثم تأتي مرحلة اختيار حركة الساعة والقرص والعقارب والأساور المتوفرة بأشكال وألوان متنوعة”.
ولكي تعمل الساعة الميكانيكية يجب تعبئتها يدويا، مما يعني أنه يجب إجراء هذه العملية مرة واحدة كل يوم عن طريق تدوير التاج في اتجاه عقارب الساعة.
وتتميز ساعات “إنيسيوم” باحتياطي الطاقة مدته 42 ساعة بفضل حركة (Unitas 6497)، التي تم إنشاؤها في خمسينيات القرن العشرين من قبل العلامة التجارية السويسرية “إينيتا” (Unitas)، واكتسبت لقب “الجرار” في عالم صناعة الساعات لأنها تتمتع بقدر كبير من الجودة والقوة.
كما يمكن شحن الساعة الميكانيكية الأوتوماتيكية تلقائيا عند ارتدائها بفضل الطاقة التي تولدها مع حركة المعصم، باحتياطي طاقة تصل مدته إلى 38 ساعة، ثم تتوقف الساعة عند عدم ارتدائها.
لكل الأذواق
وبمكونات عالية الجودة أثبتت موثوقيتها على مدار عقود، يمكن الاختيار بين أشكال وأحجام لا تعد ولا تحصى لصناعة ساعة تجمع عناصرها بنفسك، لتعكس ذوقك الخاص وشخصيتك.
فعلى سبيل المثال، نجد نمط “ريترو سبورت شيك” المصنوع من الفولاذ المعاد تدويره وهو مستوحى من أسلوب أزياء عقد السبعينيات مع لمسة من الحداثة، ويتناغم بشكل مثالي مع الطبع الحاد والثقة بالنفس التي تطغى على المظهر. وفي السياق ذاته، تحتل الساعات الرياضية مكانة مهمة وتحظى باهتمام الشخصيات الجريئة والنشيطة.
أما بالنسبة لعشاق الأناقة الكلاسيكية، تتوفر “إنيسيوم” على نماذج تعكس رموز تراث صناعة الساعات السويسرية الغنية بفن الصناعة التقليدية، كما تتناسب طرازات أخرى بمنحنياتها الناعمة والمستديرة مع الأشخاص الذين يميلون إلى المظهر الرصين والمتحفظ.
ويعتبر إطار الساعة الفضي أو الذهبي من المكونات الرئيسية، إذ يتم تزيينه بأرقام رومانية تحتفظ بالجمال التقليدي لتراث الصناعة، كما أن الإطار متوفر بألوان أخرى أيضا.
وبالنسبة لعقارب الساعة، فتأتي بأشكال كثيرة بما في ذلك عقارب “سوبر لومي نوفا”، التي تسمح بإضاءة الساعة في الظلام، أو عقارب “الدلافين” الأنيقة التي توفر سهولة لقراءة الوقت على شكل مثلث مدبب مصنوع من الفولاذ، أو عقارب “سكوليت” المجوفة من الوسط لرؤية القرص الموجود أسفلها.
وفي الأخير، تأتي مرحلة اختيار حزام الساعة الذي يمكن أن يكون مصنوعا من الجلد بشكله الكلاسيكي المميز بمتانته وارتدائه المريح، أو من المطاط العصري أو سوار الفولاذ الشبكي المعروف بمرونته وقدرته على إضفاء الجانب العتيق والمعاصر على الساعة.
الشغف والصبر
وتختلف الساعات الميكانيكية عن ساعات الكوارتز التي تعمل إلكترونيا بواسطة بطارية صغيرة، إذ تستخدم طاقة ميكانيكية تحصل عليها من خلال حركة النابض الرئيسي، وهو عبارة عن مركب عالي التقنية أو شريط رفيع يعمل على تشغيل التروس، وأذرع حركة الساعة.
ويعني مصطلح “ميكانيكي” أن الساعة تعمل بفضل الطاقة التي توفرها حركة تروس صغيرة داخلها، مما يدل على أنها لا تحتوي على بطارية كهربائية. وتتم هذه العملية يدويا عن طريق إدارة تاج الساعة وتستمر في الحركة بشكل تلقائي باستخدام الحركات الطبيعية للمعصم.
ويرى مدير ورشة “إنيسيوم” كونتان ميرور أن مهنة صناعة الساعات تتطلب الكثير من الصبر والشغف، “فعلى الرغم من أنني لست صبورا في العادة، فإن عشقي لهذا العمل يجعلني أتحلى بالصبر نظرا لتعقيد وصعوبة مراحل إنتاج كل قطعة”.
وقد تأسست هذه العلامة التجارية للساعات السويسرية على يد الصديقين ماتيو جاغانديت وجيل فرانكفورت في عام 2015، إذ افتتحا أول ورشة عمل في نورمونت الواقعة في قلب المعقل التاريخي لصناعة الساعات في سويسرا، ثم فتحا ورشة ثانية في جنيف.
وبعد تحقيق نجاح مبهر في سويسرا، قررا التوجه إلى العاصمة الفرنسية باريس لمشاركة هذا التاريخ والدراية والتراث الذي يمثل فن صناعة الساعات والمجوهرات يدوية الصنع.