قالت منصة كالكاليست الإسرائيلية المختصة بالاقتصاد إن ثمة توقعات تشير إلى أن وكالة “موديز” تستعد لخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مرة أخرى، ما قد يدفع الاقتصاد الإسرائيلي إلى حالة من عدم اليقين المالي بشكل أعمق.
وإذا تحقق هذا التخفيض، فمن المرجح أن يعيد المستثمرون تقييم جودة الديون الإسرائيلية بحذر أكبر وفق ما قالته المنصة، ما قد يؤدي إلى تقليل انكشافهم وتقليل المخاطر.
وتشير كالكاليست إلى أن هذا السيناريو سيجبر الحكومة على جمع مبالغ غير مسبوقة، ما سيزيد من تفاقم الوضع المالي الهش بالفعل.
وذكرت المنصة أن من أكثر المخاوف حدةً هو التراجع الكبير في المساعدات الأميركية المتوقعة. في البداية، كانت إسرائيل تتوقع تلقي 8.7 مليارات دولار في عام 2024، ولكن التقديرات الحالية تشير إلى أن المبلغ الذي سيتم تلقيه قد يصل فقط إلى 3.5 مليارات دولار، مع تأكيد عدم وصول مبلغ 5.2 مليارات دولار هذا العام.
هذا النقص المفاجئ -وفق كالكاليست- يمثل فجوة مالية تبلغ حوالي 18-20 مليار شيكل (4.8-5.4 مليارات دولار)، وهو ما يعادل حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي.
نتيجة لذلك، قد تضطر وزارة المالية إلى زيادة سقف الإنفاق وعجز الميزانية بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يستلزم فتح ميزانية عام 2024 للمرة الثالثة، وهو أمر غير مسبوق في التاريخ المالي للبلاد.
استجابةً لهذه التطورات، يواجه مسؤولو وزارة المالية صعوبة في كيفية التعامل مع هذه الضربة غير المتوقعة. فقد تم بالفعل فتح ميزانية عام 2024 مرتين بسبب ضغوط مالية مختلفة.
وكانت الأولى بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى تعديلات في مارس/آذار 2024، ومرة أخرى في اليوم الثاني عشر من ذلك الشهر، والتي شملت إضافة 3.4 مليارات شيكل (نحو 900 مليون دولار). والآن، تواجه الوزارة إمكانية إعادة فتح الميزانية مرة أخرى لتغطية هذه الفجوة المالية المتزايدة.
هل تغطي الضرائب الفجوة؟
وتقول المنصة إن بعض الأمل المؤقت قد ظهر مع تعديل توقعات الإيرادات الضريبية في يونيو/حزيران بزيادة من 449.1 مليار شيكل (119 مليار دولار) إلى 465.3 مليار شيكل (124 مليار دولار)، وهو ما يمثل زيادة قدرها 16.2 مليار شيكل (4.3 مليارات دولار).
وفي حين يوفر هذا النمو في تحصيل الضرائب وسادة مؤقتة ضد العجز المالي، فإنه لا يشير بالضرورة إلى تعاف مستدام، لأنه قد يؤدي فقط إلى تأخير التحديات المالية الحتمية التي تواجه البلاد على ما قالته كالكاليست.
ورغم أن معدل تحصيل الضرائب السنوي ارتفع إلى 4.8%، مقارنة بالاتجاه السلبي في بداية العام، فإن هذا الارتفاع قد ينعكس بسهولة إذا ساء الوضع الاقتصادي.
وبالمثل، فإن الإنفاق الاستهلاكي، الذي أظهر علامات المرونة مع ارتفاع بنسبة 9% في مشتريات بطاقات الائتمان في يوليو/تموز مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023، قد لا يكون واعدًا كما يبدو.
وتشير الزيادة المتواضعة بنسبة 2% فقط مقارنة بشهر يونيو/حزيران إلى أن أي تحسن في نشاط المستهلك هش في أفضل الأحوال، ولا يقدم سوى بصيص أمل خافت في بيئة اقتصادية غير مؤكدة بخلاف ذلك.
وتظل وزارة المالية حذرة، حيث تعترف بأن مثل هذه المؤشرات الإيجابية من المرجح أن تكون غير مستدامة في ظل حالة عدم اليقين الحالية.
ويحذر المحللون بالفعل من أن هذا الارتفاع في الاستهلاك المحلي قد يكون ظاهرة عابرة، مدفوعة بشكل أساسي باختيار الإسرائيليين البقاء في البلاد بسبب تكاليف السفر الباهظة وتوافر الرحلات الجوية المحدودة وسط المخاوف الأمنية المستمرة.
ومن المشكوك فيه للغاية ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر في الجزء الأخير من العام، مما يجعل المسؤولين حذرين بشأن تقديم أي توقعات متفائلة بشكل مفرط بشأن التوقعات المالية للبلاد.
زيادة الإنفاق الدفاعي وسط التوترات
ويثير النقص المتوقع في المساعدات الأميركية قلقا خاصا بشأن ميزانية الدفاع الإسرائيلية حسب كالكاليست، فقد خصص الجيش الإسرائيلي بالفعل مبلغ 5.2 مليارات دولار لمشاريع دفاعية خاصة، مما يعكس خطورة الوضع. وإذا لم تصل هذه الأموال من الولايات المتحدة، ستضطر الحكومة الإسرائيلية إلى إيجاد المبلغ داخليا، ما يعني أن دافعي الضرائب الإسرائيليين قد يتحملون العبء.
وتعقدت الأمور أكثر بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة، خاصة مع حزب الله في لبنان وفق المنصة ذاتها. وإذا تصاعدت هذه التوترات، فقد تجد إسرائيل نفسها في صراع عسكري مكلف يتجاوز بكثير المتطلبات المالية لحربها على غزة. وهذا سيتطلب زيادة أكبر في الإنفاق الدفاعي، مما سيؤدي على الأرجح إلى مراجعة رابعة لميزانية عام 2024، وهو ما سيدفع بالمالية العامة لإسرائيل إلى حالة من الفوضى العميقة.
وحتى أغسطس/آب الماضي، حتى قبل تصاعد التوترات في المنطقة الشمالية، بلغ معدل نمو الإنفاق الحكومي 36%، مقارنة بنمو مخطط له بنسبة 14%، مع زيادة الإنفاق غير المرتبط بالحرب بنسبة 8.3% مقابل توقعات بنسبة 4.9%.
ورغم أن هذه الأرقام بدأت في الانخفاض تدريجيا منذ بداية العام، فإنه من غير الواضح ما إذا كان هذا الاتجاه سيستمر، خاصة إذا اندلعت جبهة شمالية شاملة.
خفض التصنيف الائتماني
وقالت كالكاليست إن زيارة موديز الأخيرة إلى إسرائيل زادت من التكهنات حول خفض وشيك للتصنيف الائتماني للبلاد. وقد أشارت الوكالة سابقًا إلى أن توسع الصراع القائم سيكون مبررًا كافيًا لخفض مؤكد.
وتذكر المنصة أن هناك احتمالا حقيقيا بأن يخفض تصنيف إسرائيل من “إيه2” (A2) إلى “إيه3” (A3)، أو حتى إلى “بي إيه إيه1” (Baa1)، مما يشير إلى انتقال التصنيف من فئة “متوسط مرتفع” إلى “متوسط منخفض” في جودة الاستثمار.
هذا التخفيض قد تكون له آثار خطيرة على الوضع المالي لإسرائيل، ففي حين أن تصنيف “بي إيه إيه1” (Baa1) لا يزال يُعتبر درجة استثمارية، فإنه يُنظر إليه على أنه أكثر خطورة بشكل ملحوظ، وقد تتجنب بعض المؤسسات الاستثمارية الاستثمار في السندات بهذه الفئة.
وحتى أولئك الذين يستمرون في الاستثمار قد يعيدون تقييم جودة الديون الإسرائيلية بشكل أكثر دقة أو يقللون من انكشافهم، مما سيجبر الحكومة على جمع مبالغ ضخمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
وأعرب كبار المسؤولين عن قلقهم من احتمال وقوع سيناريو مشابه للأزمة المالية التي شهدتها المملكة المتحدة خلال فترة رئاسة ليز تراس القصيرة. آنذاك، أدت السياسات المالية السيئة إلى أزمة مالية خطيرة، حيث تدخل بنك إنجلترا بشراء السندات الحكومية لخلق الطلب وتقليل العوائد، مما منع انهيارًا تامًا.
وفي حالة إسرائيل، فإن المخاطر أعلى بكثير، فعلى عكس المملكة المتحدة، التي واجهت أزمة مالية فقط، تقف إسرائيل على حافة صراع متعدد الجبهات، مما يزيد من احتمالية التداعيات المالية ويجعل التوقعات الاقتصادية للبلاد أكثر خطورة.