تقع إسرائيل في دائرة مالية سلبية متزايدة الخطورة، دون وجود تحرك حكومي واضح، وفقًا لتحليل مفصّل نشر بصحيفة كالكاليست الإسرائيلية استند في أجزاء منه على تقارير لمؤسسات مالية واقتصادية دولية.
ويسلط التقرير الضوء على خفض التصنيف الائتماني الأخير من قبل وكالة موديز، وارتفاع أسعار الفائدة على الدين الإسرائيلي، وغياب إستراتيجية حكومية متماسكة لإدارة العجز المتزايد وأعباء الديون المتصاعدة.
تحذير موديز
وخفضت وكالة التصنيف الائتماني موديز مؤخرا التصنيف الائتماني لإسرائيل بمقدار درجتين. وفي تقريرها، أكدت موديز على قلق أساسي يتمثل في أن “الانتعاش الاقتصادي المتأخر والبطيء، بالتزامن مع حملة عسكرية مطولة، سيؤثران بشكل دائم على الوضع المالي”.
وتوقعت الوكالة أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل إلى 70%، مقارنة بتوقعات سابقة بنسبة 50% قبل الحرب، مما يشير إلى زيادة كبيرة في المخاطر المالية للبلاد.
ويشير تقرير كالكاليست إلى أن هذا الاستنتاج الذي توصلت إليه موديز يتماشى مع تقييمات اقتصادية أخرى عالمية، مما يظهر أن اتجاهات الديون والعجز المتزايدة في إسرائيل ليست حالات معزولة بل هي جزء من نمط مقلق أوسع نطاقًا.
الاتجاهات العالمية
وأكدت دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولي (IMF) في مارس/آذار الماضي أن هناك 4 عوامل تحدد استدامة ديون أي دولة:
- معدلات النمو
- مستويات الدين
- أسعار الفائدة
- والعجز
وتشير الدراسة إلى أن الحفاظ على الصحة المالية يعد تحديا على مستوى العالم، وليس في إسرائيل فقط.
بالتوازي مع ذلك، حذر تقرير التوقعات الاقتصادية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) من أن أكثر من 53% من كبار الاقتصاديين يرون أن ارتفاع الديون الحكومية يشكل تهديدًا رئيسيًا لاستقرار الاقتصادات المتقدمة، بينما أعرب 64% عن مخاوف مماثلة بشأن الاقتصادات الناشئة.
وذكر تقرير المنتدى -كما أفادت كالكاليست- أن أكثر من 3.3 مليار شخص يعيشون في دول تنفق حكوماتها على خدمة الديون أكثر مما تنفق على الرعاية الصحية أو التعليم، وهو اتجاه مقلق يمكن أن يضر بالنمو على المدى البعيد.
وفقًا للمعهد الدولي للتمويل (IIF)، فإن الحكومات حول العالم، بما في ذلك إسرائيل، تميل إلى التقليل من التكاليف الحقيقية لإدارة ديونها الوطنية.
ويشير التقرير إلى أن الحكومات الإسرائيلية الحديثة، باستثناء “حكومة التغيير” السابقة التي خفضت الدين بنسبة 10 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في سنتين ونصف، قد قللت باستمرار من التحديات المالية القادمة.
فخ الدين
ووصف تقرير كالكاليست وضع إسرائيل بأنه بعد عام على حرب غزة قد وقعت في “فخ الديون”، حيث يؤدي العجز المتزايد إلى زيادة العلاوات على المخاطر، وارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض النمو والإنتاجية، مما يتسبب في تسريع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وزيادة أعباء خدمة الدين على الحكومة.
ويحذر التقرير من أن هذه الدائرة السلبية يمكن أن تؤدي إلى خفض الإنفاق الحكومي على المشاريع الداعمة للنمو، مما يؤدي بدوره إلى استمرارية دائرة الديون بشكل أكبر.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن إسرائيل من المتوقع أن تواجه إحدى أعلى الزيادات في الاحتياجات التمويلية الإجمالية في أوروبا من عام 2019 إلى 2026، حيث ستصل إلى حوالي 8% من ناتجها المحلي الإجمالي، مما يعزز من شدة المشكلة.
الإنفاق الدفاعي.. عبء إسرائيل الأكبر
بُعد آخر من التحديات المالية في إسرائيل هو الإنفاق الدفاعي. ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، الذي أشار إليه تقرير كالكاليست، فإن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى بين الاقتصادات المتقدمة في الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت النسبة 5.32% في عام 2023، ارتفاعًا من 4.46% في عام 2022.
وتبلغ نفقات الفرد للدفاع نحو 3 آلاف دولار، وهو ما يفوق بكثير المتوسط العالمي البالغ 341 دولارًا.
هذا الإنفاق الدفاعي يشكل ضغطًا كبيرًا على ميزانية إسرائيل، لا سيما عندما يقترن بارتفاع تكاليف خدمة الديون الحكومية. وذكر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي أن هذه النفقات يمكن أن تزيد من “الضغوط المالية” لإسرائيل، وتحد من قدرتها على الاستثمار في المبادرات التي تدعم النمو.
لامبالاة حكومية
وبالرغم من كل هذه التحذيرات، أشار تقرير كالكاليست إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ أي إجراءات واضحة، و لفت إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش لا يتعاملان مع التحديات المالية المتزايدة للبلاد. فعوضًا عن اتخاذ تدابير تقشفية أو رفع الضرائب، يواصلان نفي الحاجة لمثل هذه الخطوات، على الرغم من أن الطلب العالمي على الديون الحكومية في ازدياد، مما يجعل من الصعب على إسرائيل تأمين تمويل بشروط مواتية.
ويحذر الخبراء من أن عدم وجود سياسة مالية واضحة وحاسمة يمكن أن يعرقل قدرة إسرائيل على الاقتراض واستقرار اقتصادها بشكل كبير.
وأكدت كالكاليست أن التصنيف الائتماني المخفض قد جعل إسرائيل بالفعل في وضعية غير مواتية، مما يجعلها أكثر تكلفة بالنسبة للدولة لخدمة ديونها.