تعوّد العالم على الجدل الذي يدور بين البيت الأبيض والكونغرس بشأن ملف الديون الأميركية أكثر من مرة، إلا أن حدة الخلافات هذا العام تتصاعد بشكل غير مسبوق بشأن الحد الأقصى لسقف الدين.
ويطالب الجمهوريون -الذين يتمتعون بنفوذ كبير وأغلبية في مجلس النواب- بربط رفع سقف الاقتراض بتخفيض الإنفاق والحصول على بعض الامتيازات الحزبية، إلا أن البيت الأبيض لا يريد أن يقدم أي تنازلات أو يتفاوض بشأن رفع سقف الديون.
وكالمعتاد، يكمن حلّ مشكلة سقف الديون بشكل مباشر في أيدي المشرعين، ولكن هذه المرة تتزايد المخاوف من أن سياسة حافة الهاوية الحزبية قد تؤدي إلى تخلف أميركا عن سداد ديونها لأول مرة على الإطلاق.
اجتماع دون نتائج
وعقد اجتماع أمس الثلاثاء في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار قادة الكونغرس، وانتهى دون تحقيق أي تقدم يشير لاقترابهم من حل مأزق سقف الديون، واتفق الطرفان على الاجتماع مرة أخرى -يوم الجمعة- قبل أقل من شهر على نفاد أموال الحكومة الفدرالية، في حين يستمر التفاوض بين مساعديهم.
وكانت وزارة الخزانة قد حذرت في وقت سابق من هذا الشهر من أن الحكومة الأميركية قد تصبح غير قادرة على دفع جميع فواتيرها في الوقت المحدد بعد الأول من الشهر المقبل، إذا لم يتخذ الكونغرس إجراء.
وفي وقت سابق، نشرت صحفية “نيويورك تايمز” الأميركية تقريرا كتبه الخبير والأكاديمي الاقتصادي المعروف بول كروغمان، تحدث فيه عن “الإجراءات الاستثنائية” التي تسعى وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين للجوء إليها لتفادي وقوع تلك الأزمة، بعد أن استنفدت الولايات المتحدة الحد القانوني لسقف الاقتراض الحالي البالغ 31.4 تريليون دولار.
وشرح الكاتب أن سقف الدين الأميركي هو المبلغ الإجمالي للأموال التي يحق للحكومة الأميركية اقتراضها للوفاء بالتزاماتها الحالية، مثل مدفوعات الضمان الاجتماعي، واسترداد الضرائب، وفوائد الدين الحكومي، والدفاع الوطني.
والحل التقليدي الذي تلجأ إليه الخزانة الأميركية عادة هو إصدار ديون -أذون خزانة وأوراق مالية وسندات- بهدف جمع الأموال لتتمكن من إدارة أعمالها وأداء التزاماتها، مع الإشارة إلى أنه قبل عام 1917 لم يكن هناك ما يسمى “سقف دين”.
وأكد الكاتب أن وزارة الخزانة هذه المرة تفكّر في حلول غير تقليدية، إذ تحاول اللجوء إلى حيل بديلة للتغلب على سقف الديون، حتى تتمكن إدارة بايدن من الوفاء بالتزامات الولايات المتحدة دون أن تتعاون مع الكونغرس.
وأشار بول كروغمان في تقريره إلى أن هناك حيلتين رئيسيتين قد تلجأ إليهما وزارة الخزانة، هما السندات الممتازة وصك العملات المعدنية.
صك عملة بقيمة تريليون دولار
يسمح القانون الأميركي لوزارة الخزانة بإصدار العملات المعدنية، ويمنح وزير الخزانة سلطة تقديرية غير محدودة في تصميم هذه العملات. عندما تم إصدار هذا القانون لم يكن مقصودا أن يتم استخدامه لابتزاز الأحزاب السياسية للالتفاف على مشاكل سقف الدين.
وتطرح وزارة الخزانة فكرة صك عملة بقيمة “1 تريليون” دولار، ثم تودع هذه العملة لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي، مما يضيف تريليون دولار إلى حساب الخزانة في الاحتياطي الفدرالي، ويمكن للحكومة بعد ذلك الاعتماد على هذا الحساب لدفع فواتيرها دون الاضطرار إلى إصدار ديون جديدة.
وفي حال وافق الاحتياطي الفدرالي على إيداع هذه العملة، فهذا يعني أنه يمنح الحكومة قرضا دون فائدة. لكن في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال، قالت يلين إنه من غير المرجح أن يوافق الاحتياطي الفدرالي على مثل هذه الخطة، واصفة ذلك بأنه “وسيلة للتحايل”.
بيع أذون الخزانة والسندات الممتازة
وإذا لجأت الخزانة لهذا الحل فسيكون كالعادة عن طريق بيع أذون خزانة وأوراق مالية وسندات، وتجمع هذه الأوراق المالية بين القيمة الاسمية -المبلغ الذي سيتم دفعه عند استحقاق السند- مع قسيمة نسبة الفائدة، وتدفع مرتين في العام.
وتُباع الأوراق النقدية والسندات في المزاد العلني، وغالبا ما يتم تغطية كافة الأوراق المالية المطروحة.
وفي النهاية، يتساءل الكاتب: هل يمكن فعلا أن تستخدم الإدارة الأميركية هذه الحيل والأساليب؟ ويجيب “لقد وضعنا نقطة خنق إضافية، فقبل عام 1917 لم يكن هناك ما يسمى سقف دين”.