يأخذنا الديوان الشعري باللغة الإنجليزية “فراشة في الظلام” (A Butterfly in the Dark) للشاعرة والكاتبة العراقية الكندية “لمى جعفر” في رحلة عاطفية مكثفة بين الحب والألم والتجارب الإنسانية التي نمر بها جميعا. فتنقل لنا بصدق ودقة تطور تجربتها الشعرية، التي بدأت منذ أن كانت في الـ11 من عمرها، مستغلة الشعر كملجأ تصرخ فيه بمشاعرها في الفراغ.
بدأت “لمى جعفر” الكتابة عن الحب والحياة في سن مبكرة جدا، باحثة في الكون عن إجابات تعلم أنها لن تجدها أبدا في هذه الحياة، لكنها على الأرجح تحدق في وجهها. وفي هذا الديوان، تدمج بين تجربتها الشخصية والهوية المزدوجة التي تحملها، مما يخلق مزيجا فريدا من المشاعر والتفكير.
ينبض عنوان الديوان “فراشة في الظلام” بالرمزية، فالظلام يمثل المجهول والألم، بينما الفراشة هي رمز للتحول والأمل. هذه الرمزية تلخص بشكل رائع الموضوعات الرئيسة التي تتناولها الشاعرة في ديوانها، مثل الحب، الألم، العاطفة، والأحلام. تقول “لمى” في حديثها مع الجزيرة نت: “لقد كانت الكتابة دائما منفذي، وكان الحب مصدر إلهامي. واخترت في العنوان الظلام رمزا للمجهول والألم الذي يجب على المرء أن يتحمله في رحلة النمو، والفراشة رمزا للأمل والتحول الذي يمر به الإنسان أثناء تجربة هذا التحول”.
ولا تستطيع الشاعرة إنكار تأثير الحب في حياتها، كونه القوة الدافعة وراء مشاعرها وأعمالها، ورغم أن الحب قد يكون مليئا بالألم، إلا أنه لا يمكن إنكاره أو التغاضي عنه، بل هو جوهر الحياة بالنسبة لها. فتقول: “لا أستطيع أن أتذكر تجربة في حياتي يمكن أن تنكر وجوده”.
وتفخر “لمى” بهويتها المزدوجة -كونها عراقية كندية- وترى أنها شكلت شخصيتها الكتابية بشكل عميق، فتقول: “كانت الهوية المزدوجة بمثابة نعمة سمحت لي باستكشاف ما وراء عالم واحد. فمن الناحية اللغوية، أنا ثنائية اللغة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالشعر والأدب، فإن قلبي ينبض باللغة العربية وعقلي يتحدث باللغة الإنجليزية، وكعربية، لدي شغف في دمي، وكعراقية، لدي شعر في عروقي، وككندية، لدي شرف دمج كل ذلك مع التوهج الغربي الذي أصبحت أقدره على مر العقود”.
وتأمل لمى من خلال كلماتها أن تجعل القارئ يشعر بالاتصال معها ومع مشاعرها المتناقضة. وأن يجد القراء أنفسهم في كلماتها، وأن يشعروا بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الظلام والآلام.
وفي قصيدتها “حديث الهوى”، تأخذنا “لمى” في رحلة إلى عالم الكلمات غير المعلنة، تلك التي تنزلق عبر الصمت وتعيش في الفواصل بين الكلمات. ويظل هذا الحديث غامضا، غير مكتمل، ولكنه مؤثر للغاية في ظل غياب الكلمات الكافية لشرحه:
حديث الهوى…
لن أتوقف يوما عن حديث الهوى،
ما قد يختبئ خلف الصمت ويتوارى،
نظرةٌ، ربما؟
أو اللحظات التي تسبقها،
لا، انتظر، إنه هناك…
على بُعد لمسة مني،
ينزلق عبر شقوق فكرة متصدعة،
ذلك الذي لا يُقال،
ليس حرفا ولا كلمة،
بل هو الفواصل بين الكلمات.
شيء يكاد يكون، لكنه لا يكتمل أبدا،
إنه يبتعد
في لمسة مرّت، مرت في الخفاء.
هل تراه؟
أم مضى بعيدا مرة أخرى؟
ربما هو لا شيء…
أو ربما هو كل شيء…
أو ربما هو فقط،
ما لن أتوقف يوما عن الحديث عنه.
“فراشة في الظلام” ليس مجرد ديوان شعري؛ إنه تأمل عميق في الحب والألم. فالشاعرة “لمى جعفر” تقدم لنا عالما مليئا بالمشاعر الصادقة والتحولات الداخلية، وتدعونا للبحث عن الضوء في الظلام، مثل الفراشة التي تبحث عن نفسها في العتمة. وتعد بمثابة دعوة للقراء لاستكشاف رحلة إنسانية تتسم بالصراع، ولكن أيضا بالأمل والتحول المستمر.