منذ بدء عرض “هارلي” بدور السينما في موسم عيد الفطر المبارك، حقق الفيلم إيرادات تجاوزت 30 مليون جنيه في الأسبوع الأول من عرضه واحتل المركز الأول في شباك التذاكر، قبل أن يتراجع إلى المرتبة الثانية في الأسبوع الثاني بعد فيلم الرعب والإثارة “يوم 13”.
فيلم “هارلي” من بطولة محمد رمضان ومي عمر ومحمود حميدة، وتأليف كل من محمد سامي ومحمد سمير مبروك، وإخراج محمد سمير في أول أفلامه السينمائية، وقام قبلها بإخراج 3 مسلسلات كويتية.
“بيرسونا” محمد رمضان
الـ “بيرسونا” (Persona) هي كلمة يمكن ترجمتها إلى العربية بـ “الشخصية”، وهي مصطلح يعني الواجهة التي يختارها الشخص -خاصة من المشاهير- لنفسه ويظهر بها بشكل مستمر، سواء في حياته الشخصية أو العملية. بالنسبة لبعض الممثلين، قد يصبح دور أداه في عدد من أعماله بشكل متكرر هو هذه الـ “بيرسونا” التي تعبر عنه، حتى يختلط الأمر بين الواقع والخيال بالنسبة له ومتابعيه.
محمد رمضان هو أحد النجوم الذي اختار أن يبقى حبيس هذه الـ “بيرسونا” التي رسمها مع محبيه لنفسه، الشاب ذو العضلات المفتولة والرشيق للغاية الذي تقع بحبه كل فتاة مرت في حياته، قد يحيد عن الصواب، ويقوم ببعض الجرائم، لكنه يظل محافظا على إعجاب المشاهدين بقوة شخصيته والتزامه ببعض الشفرات الأخلاقية التي يحددها لنفسه.
من الوهلة الأولى قد يبدو فيلم “هارلي” مختلفا على سبيل المثال عن مسلسل “جعفر العمدة” الذي -استعاد عبره محمد رمضان نجوميته في رمضان 2023- فبطل الفيلم هو الشاب محمد هاشم أو هارلي، المهندس الميكانيكي البارع الذي يجيد قيادة الدراجات النارية لدرجة الاحتراف، ولكن يضل طريقه إلى الإجرام، بينما جعفر العمدة هو رجل في منتصف العمر ثري للغاية يعيش في حي السيدة زينب متزوجا من 4 نساء ويحيا على أمل العثور على ابنه المخطوف منذ الولادة.
ولكن بالنظر إلى عمق الشخصيتين نجد خلف الملابس وتصفيفة الشعر المختلفة الـ “بيرسونا” نفسها، سواء من حيث طريقة الحديث، أو المعايير الأخلاقية أو رؤية البطل لنفسه، ليصبح فيلم “هارلي” استعراضا جديدا للشخصية التي يكرر محمد رمضان تقديمها، سواء في أفلامه ومسلسلاته أو على حساباته الشخصية بوسائل التواصل الاجتماعي.
أزمة “بيرسونا” محمد رمضان ليست فقط من اختياره، بل يشاركه في الإصرار عليها جمهوره، فمع كل محاولة للخروج من دائرتها الضيقة إلى عوالم فنية أكثر رحابة للتجريب في أدوار مختلفة يفاجأ الممثل بفتور شديد من المشاهدين، فلا يمكن مقارنة النجاح الشعبي الواسع لـ “جعفر العمدة” مع ردة الفعل الباهتة لمسلسلي “المشوار” و”موسى” في العامين الماضيين، وقد أعرض عنهما الجمهور تماما فيما يبدو وكأنه عقاب لبطلهم الشعبي الذي قرر التخلي عن دور البطل المغوار ومحقق العدالة والذي يشبههم من حيث المظهر واللهجة وطريقة الحديث.
أين الفصل الثالث في سيناريو “هارلي”؟
السيناريو الثلاثي الفصول هو الشكل الأكثر اعتيادية وتكرارا في الأفلام السينمائية، فيه ينقسم الفيلم إلى مقدمة ووسط ونهاية، نتعرف إلى الشخصيات وأزماتها في المقدمة، ثم ننتقل إلى الوسط حيث الذروة، وبعدها الحل قرب النهاية، مع مراعاة التوازن بين طول هذه الفصول الثلاثة والمبررات المنطقية لتصاعد الأحداث فيما قبل الذروة، والمنطق في حل الأزمة.
فيلم هارلي التزم بثلاثية الفصول، بدأ بتعريف المشاهد بشخصية محمد هاشم أو هارلي وحياته المزدوجة كأخ للمراهق “نوح” ومساعد في عمليات السرقة لسرعته وقدرته على المراوغة على دراجته النارية، بالإضافة إلى إدمانه المخدرات، ينتهي هذا الفصل بموت الأخ الأصغر خلال تقليده لهارلي وقيادته المتهورة لدراجته النارية بإحدى السباقات بين الشباب، بعد هذه الفاجعة يقرر هاشم تغيير حياته بالكامل، والالتزام بالشرف والتعافي من الإدمان.
يبدأ الفصل الثاني بالشخصية الجديدة لهارلي الذي غير بعض قناعاته الأخلاقية، ولكن ترك أخرى معتلة مثل علاقاته النسائية المتعددة التي يتباهى بها علانية، وتظهر في حياته “أسيل” الشابة المستهترة مدمنة المخدرات ولكن ذات القلب الطيب، التي يقع في حبها ويساعدها على التعافي.
يمتد الفصل الثاني لأغلب وقت الفيلم، في حين يأتي الفصل الثالث غير منطقي سواء في بدايته أو نهايته، فرئيس العصابة يقرر بشكل مفاجئ اختطاف والد هارلي لإجبار الأخير على العودة للعمل الإجرامي، ثم يتم الكشف بشكل أكثر مفاجأة عن علاقة هذا المجرم بأسيل الذي تعرفه في البداية على أنه والدها، ثم يتضح أنه زوج والدتها، فيكون على هارلي تحرير الأب والحبيبة والقضاء على الشرير.
تمثل هذه النقطة ذروة جيدة لفيلم إثارة وتشويق، وذلك إن تم جمعهم في تسلسل واحد مع الحفاظ على الإيقاع السريع ذاته، ولكن ما قام به مخرج الفيلم هو تقسيم الذروة إلى 3 أقسام، مع لحظات من الاسترخاء بين كل واحدة والأخرى ففقد الثلث الأخير الإثارة المطلوبة في مرحلة ما قبل النهاية.
لا يمكن الحكم على النجاح التجاري لفيلم “هارلي” إلا بنهاية هذا الموسم السينمائي أي مع بداية موسم عيد الأضحى، خاصة وهو يلاقي الآن منافسة كبيرة من فيلم “يوم 13” القادر على جذب شرائح مختلفة عن جمهور العيد المعتاد الذي يقبل على الأفلام صاحبة الممثلين الأكثر شعبية.