وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، وفي ظل المساعي الأميركية الحثيثة لاحتواء الصراع في المنطقة، أثارت سلسلة الانفجارات الغامضة التي استهدفت منظومة اتصالات حزب الله في لبنان، خلال اليومين الماضيين، تساؤلات جوهرية بشأن توقيتها ودوافعها.
وذكرت صحيفة “واشطن بوست”، أن سؤالا حاسما برز إثر العمليات الأخيرة، وهو “لماذا الآن؟”، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية في حالة اضطراب وواشنطن تحاول بشدة منع نشوب صراع أوسع، مما جعل خبراء ومسؤولين يتساءلون عن توقيت الهجوم وما يشير إليه بخصوص نوايا إسرائيل في لبنان.
ولم تعلن إسرائيل، التي نادرا ما تعلق على عملياتها الاستخباراتية في الخارج، عن مسؤوليتها عن الهجوم أو تنفيها. ولم تبلغ إسرائيل الولايات المتحدة بتفاصيل العملية قبل حدوثها، لكنها أطلعتها بعد ذلك عبر قنوات استخباراتية، وفقاً لمسؤولَين أميركيَّين، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما لمناقشة مسائل حساسة.
“وقت محدود للتصرف”
وظل من غير الواضح كيف تمكنت إسرائيل بالضبط من تنفيذ العملية – وما إذا كانت قد انتهت.
ويوضح عدم حدوث أي متابعة عسكرية كبيرة (تحرك عسكري موازي) من قبل إسرائيل في الساعات التي تلت الانفجارات الأولى إلى أن “التوقيت لم يكن الأمثل”، كما قال عوديد عيلام، وهو مسؤول سابق رفيع المستوى في الموساد.
وقدّر مستشار لمديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقائد سابق رفيع المستوى في جهاز الأمن الداخلي للبلاد “الشين بيت”، أن عملاء ربما سيطروا على سلسلة توريد أجهزة النداء، وأفرغوا محتوياتها وملأوها بكميات صغيرة من المتفجرات.
وبمجرد اكتمال ذلك، يضيف في حديثه لواشنطن بوست، كان هناك وقت محدود للتصرف: “مستوى الشك مرتفع، ويكفي انفجار واحد [عن غير قصد] لنسف العملية كلها”.
وردد مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون سابقون آخرون هذا الرأي، قائلين إن مثل هذه العمليات – التي تستغرق شهورا، إن لم يكن سنوات، في الإعداد – لها فترة صلاحية قصيرة بعد وضعها موضع التنفيذ.
وفي حالة أجهزة النداء المتفجرة، من المحتمل أن قرار حزب الله بالتحول إلى ما اعتقد أنها أجهزة أقل تقنية وأكثر أماناً بعد موجة من الاغتيالات الإسرائيلية “قد وفر فرصة” للعملية، كما أوضح عيلام.
وأضاف: “تحتاج إلى الحد الأدنى [من الوقت] بين التركيب والضغط على الزر”.
انفجارات لبنان.. صور وفيديوهات توثق الهلع
تنقل الصور ومقاطع الفيديو التي نشرتها وكالات الأنباء، ومستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من موقع الحدث بلبنان حيث انفجرت أجهزة الإرسال التي يحملها آلاف من عناصر حزب الله، الثلاثاء والأربعاء، حالة الذعر التي سادت وكيف أثرت قوافل الجرحى التي غزت المستشفيات على عملها، وسط الدماء وأطراف المصابين المبتورة.
وقالت واشنطن بوست، إنه لم يكن واضحا على الفور ما إذا كانت العملية مقصودة كضربة أولى في صراع واسع النطاق أو تحذير لحزب الله بشأن التكاليف المحتملة لمثل هذه المواجهة.
واعتبر رئيس الموساد السابق، داني ياتوم، أن الأجهزة المتفجرة تهدف “إلى إثارة الذعر والتوتر والصدمة” داخل حزب الله، مما يظهر قدرة إسرائيل على اختراق حتى أكثر خطوط الاتصال أماناً للجماعة.
وأضاف: “إنها عملية سيكون لها ما بعدها وقد تبدأ حرباً أكثر حسما في لبنان”.
“استفزاز آخر”
ومن دون أن يعلّق على الانفجارات التي حصلت في لبنان، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الأربعاء أن “مركز ثقل” الحرب “ينتقل إلى الشمال”، في إشارة إلى الجبهة المفتوحة مع حزب الله اللبناني في موازاة الحرب المستمرة مع حركة حماس في قطاع غزة.
ومنذ بدء الحرب في قطاع غزة قبل نحو عام، تشهد المنطقة الحدودية بين إسرائيل ولبنان تبادلا يوميا للقصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، ما أدى إلى نزوح عشرات آلاف المدنيين في كلا الجانبين.
وفي الدول العربية المجاورة، تقول الصحيفة إن المسؤولين الاستخباراتيين والأمنيين شعروا بالقلق من “استفزاز آخر”.
وصرح مسؤول إقليمي، لم تكشف الصحيفة هويته: “كنا بالفعل في مرحلة متقدمة من سلم التصعيد. كانت هذه مقامرة كبيرة من قبل إسرائيل”.
واتهم وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إسرائيل بأنها تدفع “المنطقة برمتها إلى هاوية حرب إقليمية” من خلال مواصلة التصعيد الخطير على عدة جبهات.
تفجيرات استهدفت حزب الله وتصريحات إسرائيلية.. أبعاد “المرحلة الجديدة”
قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الأربعاء، إن الحرب في المنطقة تدخل “مرحلة جديدة”، وذلك بعد ساعات من إعلان نقل القوات الإسرائيلية إلى شمال البلاد وحدوث موجة ثانية من الانفجارات في لبنان.
وتكهن مسؤولون إسرائيليون بأن مسؤولين من حزب الله ربما اكتشفوا خللا في أجهزة النداء، مما وضع إسرائيل أمام خيار “الاستخدام أو الخسارة”.
وأشار العديد من المسؤولين إلى أنه بخلاف ذلك، فإن توقيت الهجوم “يفتقر إلى المنطق”.
وقال مسؤول أمني إقليمي ثان: “حتى لو كانوا يحاولون إرسال رسالة، فلماذا الآن؟ سيكون هناك رد فعل من حزب الله. لماذا تفعل هذا إذا كنت مهتما حقا بمنع حرب أوسع؟”.
وتعهد رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، الأربعاء، بأن إسرائيل “ستعيد سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”، بعد أن أدت صواريخ حزب الله إلى نزوح نحو 60 ألف شخص من المناطق الإسرائيلية في الشمال.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، جعل مجلس الوزراء الأمني للبلاد عودتهم هدفا رسمياً للحرب.
ووافق رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، على خطط “هجومية ودفاعية” ضد حزب الله، كما قال الجيش في بيان، الأربعاء.
وذكرت الإذاعة العسكرية الإسرائيلية أنه سيتم نقل الفرقة 98 للجيش من غزة إلى الشمال.
نفي أميركي
ونفت الولايات المتحدة أن يكون لها أي دور في الانفجارات، وقالت إنها تبذل جهودا دبلوماسية مكثفة لتجنب تصعيد الصراع.
وقال مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته لرويترز، إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة، الثلاثاء، بأنها ستفعل شيئا في لبنان.
وأضاف أن إسرائيل لم تقدم تفاصيل وأن العملية نفسها كانت مفاجأة لواشنطن.
ووصل عاموس هوكستين، المبعوث الأميركي الخاص، إلى إسرائيل، الاثنين، لإجراء محادثات مع نتانياهو بشأن خفض التصعيد مع حزب الله.
انفجارات أجهزة اللاسلكي والبيجر.. كيف حدثت؟
انفجرت أجهزة اتصال لاسلكية محمولة، تستخدمها جماعة حزب الله المسلحة، الأربعاء، في جنوب لبنان، وذلك غداة وقوع انفجارات مماثلة متزامنة، الثلاثاء، في أجهزة اتصال تعرف باسم (بيجر) خاصة بالجماعة أيضا.
وقال نتانياهو لهوكستين، وفقاً لبيان من مكتب رئيس الوزراء: “بينما تقدر إسرائيل وتحترم دعم الولايات المتحدة، فإنها ستفعل – في النهاية – ما هو ضروري لحماية أمنها”.
وخلال الأسبوع الماضي، شهدت الحكومة الإسرائيلية اضطرابات مقلقة، حيث تزايدت التقارير التي تفيد بأن نتانياهو يسعى لاستبدال غالانت بعد أشهر من الخلافات بشأن استراتيجية الحرب.
كما يواجه نتانياهو، ضغوطًا محلية متزايدة لإبرام صفقة من شأنها أن تشهد إطلاق سراح رهائن في غزة مقابل سجناء فلسطينيين في السجون الاسرائيلية.
وأثار إعلان إسرائيل هذا الشهر استعادة جثث ستة رهائن من نفق في غزة واتهام حماس بإعدامهم، موجة من الحزن والغضب، ما أدى إلى إضراب عام قصير الأمد وتظاهرات واسعة النطاق.
لكن المفاوضات الرامية للتوصل إلى هدنة عبر وساطة الولايات المتحدة ومصر وقطر تراوح مكانها.