بدأت فرنسا إجلاء رعاياها من النيجر، كما أعلنت دول أوروبية أخرى قرارات مماثلة، وسط تحذيرات من عدة دول من أي تدخل عسكري لإنهاء الانقلاب في النيجر.
وقد حذرت الجزائر من نيات التدخل العسكري الأجنبي، ووصفتها بالنيات غير المستبعدة التي ستزيد من خطورة الأزمة.
ودعت الخارجية الجزائرية إلى ضبط النفس وإعادة النظام الدستوري عبر وسائل سلمية من شأنها أن تجنب النيجر والمنطقة ككل تصاعد وتيرة انعدام الأمن والاستقرار، مؤكدة دعم الجزائر للرئيس محمد بازوم بصفته الرئيس الشرعي للنيجر.
كما حذرت حكومتا بوركينا فاسو ومالي من أن أي تدخل عسكري في النيجر سيكون بمنزلة إعلان حرب على البلدين. وفي بيان مشترك، أكد المتحدث باسم الحكومة الانتقالية في مالي عدم التزام البلدين بالعقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) على السلطات العسكرية في النيجر.
وفي السياق ذاته، قال المجلس العسكري الحاكم في غينيا إنه لن يلتزم بالعقوبات التي فرضتها مجموعة إيكواس على النيجر، ووصفها بغير الشرعية. وأضاف أن التدخل العسكري في النيجر سيؤدي إلى تفكك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وفي واشنطن، قال جون كيربي منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي إن بلاده تريد بقاء رئيس النيجر محمد بازوم، وهناك فرصة للدبلوماسية، حسب تعبيره.
وأشار كيربي إلى عدم وجود مؤشرات على وقوف روسيا وراء الانقلاب أو دعمه بشكل فاعل، مؤكدا أن أي شراكة بين النيجر وروسيا لن تصب في مصلحة شعب النيجر.
وحث كيربي سلطات النيجر على تسهيل عمليات الإجلاء بطريقة آمنة ومنظمة، مضيفا أن واشنطن لم تتخذ قرارا بشأن إرسال قوات أميركية إلى النيجر لدعم عمليات الإجلاء.
وقالت الخارجية الأميركية إن سياسة واشنطن لا تزال تتمحور حول عودة الرئيس بازوم للحكم، كونه الرئيس الشرعي للنيجر.
ومن جهتها، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنهم يتابعون عن كثب ما يجري في النيجر، وهم على تواصل وثيق مع نظرائهم العسكريين هناك.
وأكدت أن واشنطن مستعدة لحالات الطوارئ، لكنها لم تشارك حتى الآن في أي عمليات إجلاء من النيجر، ولم تسحب أي قوات أميركية من هناك حتى الآن، مشيرة إلى استمرارها في دعم الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم.
وبدورها، قالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن بلادها تدعم جهود مجموعة إيكواس لإيجاد طريق للمضي قدما نحو عودة رئيس النيجر المنتخب ديمقراطيا إلى منصبه.
وأضافت أن بوركينا فاسو ومالي وغينيا تخضع حاليا لسيطرة الحكومات العسكرية، التي لم يتم انتخابها ديمقراطيا والتي لديها مواقف داخل بلدانها شديدة الخطورة، خاصة من الناحية الأمنية.
عمليات الإجلاء
من ناحية أخرى، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا -اليوم الثلاثاء- أن فرنسا بدأت في إجلاء مواطنيها من النيجر، حيث أقلعت أول طائرة تقل أكثر من 262 شخصا، بينهم 12 رضيعا، من العاصمة نيامي.
وأضافت أن “الغالبية الكبرى من الركاب من مواطنينا”، إضافة إلى “بعض المواطنين الأوروبيين”.
وأوضحت أن ركابا آخرين، “مع عدد أكبر من الأوروبيين”، استقلوا طائرة ثانية، ستقلع قريبا من مطار نيامي المدني أيضا.
وقالت إن “هناك 600 فرنسي أعربوا عن رغبتهم الواضحة في المغادرة، وهناك أقل بقليل من 400 أوروبي” أبدوا أيضا هذه الرغبة، مشيرة إلى أنهم يأملون “أن تتم عملية الإجلاء إذا أمكن خلال 24 ساعة، من ظهر اليوم حتى ظهر الغد”.
كذلك، أعلنت إيطاليا أنها مستعدة لإجلاء 90 من رعاياها من نيامي في طائرة مستأجرة خصيصا لهذا الغرض، علما أن عدد الرعايا الإيطاليين في النيجر يصل إلى نحو 500، معظمهم جنود.
وبدورها، نصحت ألمانيا رعاياها في نيامي عاصمة النيجر بالمغادرة.
وجاء في رسالة وجهتها السفارة الفرنسية إلى مواطنيها “مع تدهور الوضع الأمني في نيامي وفي ظل الهدوء النسبي في نيامي، يتم التحضير لعملية إجلاء جوي انطلاقا من نيامي”، موضحة أنها “ستُجرى قريبا جدا وفي فترة وجيزة جدا”.
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية لاحقا أن باريس قررت إجلاء رعاياها من النيجر ابتداء من اليوم “نظرا إلى الوضع في نيامي”.
وبررت الوزارة هذا القرار “بأعمال العنف التي تعرضت لها سفارتها يوم الأحد، وإغلاق المجال الجوي الذي يحرم رعاياها من أي إمكانية لمغادرة البلاد بوسائلهم الخاصة”.
وأوضحت أن “الإجلاء سيبدأ اليوم” الثلاثاء، مضيفة أن فرنسا قد تجلي أيضا “رعايا أوروبيين يرغبون في مغادرة البلاد”.
لا يريدون المغادرة
ويقيم نحو 600 فرنسي حاليا في النيجر، وسيتم الإجلاء على أساس طوعي وفي طائرات نقل عسكرية صغيرة غير مسلحة، ولكن الحكومة الفرنسية لم تحدد إذا ما كانت العملية ستتم على مدى عدة أيام، كما لم تعرف بعد عدد المواطنين الذين يريدون مغادرة البلاد.
وفي هذه الأثناء، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأنه، بعد هطول أمطار غزيرة صباحا في نيامي، استؤنفت الأنشطة تدريجيا، ولم يظهر سوى عدد قليل من سيارات قوات الأمن.
وقال كثير من الفرنسيين في النيجر -لوكالة الصحافة الفرنسية- إنهم لا يريدون مغادرة النيجر في هذه المرحلة. وكتب مواطن فرنسي يعمل في منظمة إنسانية في البلاد -لم يرغب في الكشف عن اسمه- في رسالة “في الوقت الحالي، سأبقى هنا!”، في حين بدأ آخرون حزم أمتعتهم.
“إعلان حرب”
وأمس الاثنين، اتهم عسكريو النيجر فرنسا بالسعي إلى “التدخل عسكريا” في البلاد، الأمر الذي نفته وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا.
وصرحت كولونا لمحطة “بي إف إم” بأن “هذا خاطئ”. وتعليقا على الشعارات المناهضة لفرنسا التي رفعت خلال تظاهرة أمام السفارة الفرنسية في نيامي الأحد الماضي، قالت كولونا “ينبغي عدم الوقوع في الفخ”.
وأراد آلاف المتظاهرين الذين يؤيدون الانقلاب دخول السفارة، قبل أن تفرقهم قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وأكد الانقلابيون في النيجر أن إطلاق الغاز المسيل للدموع “أدى إلى إصابة 6 أشخاص، نقلوا إلى مستشفيات” في العاصمة.
وتوعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الأحد الماضي- الانقلابيين بالرد “فورا وبحزم” على أي هجوم يستهدف مواطني فرنسا ومصالحها في النيجر.
وتنشر فرنسا نحو 1500 جندي في النيجر، بينما تنشر الولايات المتحدة 1100 جندي يشاركون في القتال ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، لكن بعض السكان المحليين يقولون إنهم يرغبون في أن تتوقف فرنسا عن التدخل في شؤونهم.
وتعد النيجر من أفقر دول العالم رغم مواردها من اليورانيوم. غير أن المفوضية الأوروبية رأت اليوم الثلاثاء أنه “لا يوجد خطر” على إمدادات الاتحاد الأوروبي من اليورانيوم بعد الانقلاب في النيجر (الدولة التي تمثل ربع الإمدادات الأوروبية) بسبب المخزونات الموجودة بالفعل لدى دول الاتحاد.