يؤكد مسؤولون ومنظمات بقطاع النفط زيادة الطلب العالمي على الوقود، لعدة سنوات مقبلة، وفي المقابل تشير بعض الإحصائيات المتخصصة إلى أن نسبة ما تشكله الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والكهرومائية، ما زالت ضئيلة ولا تفي بالطلب المتزايد، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن النسب الحالية، والتوقعات المستقبلية لمستقبل قطاع الطاقة، في وقت تبذل فيه جهود دولية لمكافحة التغير المناخي والحفاظ على البيئة.
وقال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو”، خلال مؤتمر آسيا للطاقة في ماليزيا، الاثنين، إن “نمو الطاقة المتجددة لم يواكب النمو في استهلاك الطاقة العالمي”، مؤكدا أن “استكمال تحول الطاقة العالمي خلال ربع قرن فحسب أمر خيالي”.
من جانبه قال هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، الاثنين، خلال المؤتمر ذاته، إن أوبك تتوقع زيادة الطلب العالمي على الطاقة إلى 110 ملايين برميل يوميا وأن يرتفع إجمالي الطلب على الطاقة بمقدار 23 في المئة بحلول عام 2045.
منظور اقتصادي
ويرى الخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي، أن النفط سيبقى مسيطرا على سوق الطاقة العالمي لعقد واحد على الأقل، وتحدث عن عراقيل تعترض تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة.
وقال الشكندالي في حديثه لموقع “الحرة”: “هناك توجه دولي، في ظل الصراع بأوكرانيا، وخاصة في أوروبا، نحو الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وتونس والجزائر مثالا، وهناك مشاريع في الأفق مهمة جدا مع الجانب الأوروبي، وممولة من البنك الدولي، للتوجه نحو الطاقات المتجددة”.
وأضاف “تبقى هذه المشاريع على المدى الطويل، وليس حتى على المتوسط، لأن هناك حاجة لتأسيس البنية التحتية لها، وتحتاج سنوات طويلة حتى يتم تنفيذها”.
وأشار إلى أن هناك أيضا “رؤية في السعودية إلى ما بعد النفط، وتوجه نحو الطاقات المتجددة، وتنويع الاقتصاد السعودي، بحيث يكون غير مرتبط بالعوائد النفطية”.
ولكنه أكد أنه في مقابل كل ذلك، وحتى يتم تنفيذ هذه المشاريع “سيبقى البترول يلعب الدور الأساسي في قطاع الطاقة في كل الدول، خاصة الدول المتقدمة”.
وأضاف الناصر، خلال المؤتمر، أن أساسيات سوق النفط العالمية من المتوقع أن تظل قوية لبقية العام الحالي، بدعم من قوة الطلب من بلدان نامية، خاصة الصين والهند.
وتابع “على الرغم من مخاطر الركود في العديد من بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن اقتصادات الدول النامية، لا سيما الصين والهند، تؤدي إلى نمو قوي للطلب على النفط بأكثر من مليوني برميل يوميا هذا العام”، مشيرا إلى أنه “على الرغم من أن الصين تواجه عراقيل اقتصادية، فإن قطاعي النقل والبتروكيماويات ما زالا يبديان مؤشرات على نمو الطلب”.
ويقول الشكندالي إنه “في الواقع يعتبر البترول والغاز عامل مهم جدا في تحديد سياسات الدول الاقتصادية (..) خاصة المتقدمة منها، وقد شهدنا خلال الصراع الروسي الأوكراني كيف أثر ارتفاع الأسعار العالمية للنفط عليها، بالإضافة إلى التضخم المالي والسياسات النقدية التي أضرت باقتصاديات هذه الدول، وأنتجت أزمات كبيرة، منها انهيار بعض البنوك في أميركا وأوروبا”.
وأكد أن “البترول لا يزال يلعب الدور الأساسي على الأقل لمدة 10 سنوات (…) وحتى ذلك الحين ستكون الدول، والنفطية منها، تستعد لمرحلة ما بعد البترول”.
عراقيل
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن أبرز العراقيل التي تعترض طريق تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة هي التمويل.
وقال إن “كل الدول التي تتوجه نحو مشاريع الطاقة المتجددة، لا تزال بعيدة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية لها، وعلى سبيل المثال، تونس لا تزال في مرحلة التأسيس للربط مع أوروبا (..) وذلك يتطلب على الأقل 5 سنوات لتهيئة البنية التحتية، ولن يفقد البترول مكانته العالمية إلا بعد سنوات طويلة”.
وألمح إلى أن مشاريع الربط الكهربائي من مصادر الطاقة المتجددة “حيث تريد دول الشمال (أوروبا) الاستفادة من الشمس في دول الجنوب (شمال أفريقيا)، تتطلب قدرة تمويلية كبيرة من طرف الدول المتقدمة، وهذه الدول تشهد في الحقيقة إشكالات كبيرة على المستوى الاقتصادي، وبالتالي التقدم في هذه المشاريع مرتبط بالقدرة التمويلية لها”.
وأضاف أن “هناك مشكلة كبيرة تؤرق الدول الأوروبية، وهي ملف الهجرة، وأوروبا تريد أن تعالج هذه المشكلة من ناحية أمنية، وقد تفشل في ذلك، مما يؤثر سلبا على مثل هذه المشاريع”.
وأوضح أن “هذه المشاريع مقدمة على أساس تثبيت العمالة في دول الجنوب، ولكن عندما يغيب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي عن هذه الدول، فإنه يهدد إمكانية تنفيذ مثل هذه المشاريع، ويؤخرها لسنوات أخرى”.
عرض أوروبي
وفي 11 يونيو الحالي، اقترح الاتحاد الأوروبي “تعزيز الشراكة” مع تونس من خلال برنامج يشمل مساعدة مالية طويلة الأمد بقيمة 900 مليون يورو (982 مليون دولار) ومساعدة إضافية بقيمة 150 مليون يتم ضخها “فورا” في الميزانية، وفقا لفرانس برس.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، إنها اقترحت على الرئيس التونسي، قيس سعيد، برنامجا من خمس نقاط يشمل دعم مكافحة الهجرة السرية.
وأعربت عن أملها في توقيع اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي بحلول القمة الأوروبية المقبلة التي يفترض أن تعقد نهاية الشهر الحالي.
وأضافت “من مصلحتنا المشتركة تعزيز علاقتنا والاستثمار في الاستقرار والازدهار، ولذلك نحن هنا”، مؤكدة أنها تعمل باسم “فريق أوروبا”.
وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي هو “الشريك التجاري الأول والمستثمر الأول” في تونس.
وتنص النقاط الخمس التي اقترحها الاتحاد الأوروبي على زيادة الاستثمار في تونس، ولا سيما في دعم القطاع الرقمي، واستثمارات في تصدير تونس للطاقات المتجددة وتوسيع برنامج تبادل الطلاب (إيراسموس).
ويتعلق أحد مقترحات بروكسل بمكافحة “الأعمال المشينة” للهجرة السرية التي من أجلها سيقدم الاتحاد الأوروبي لتونس “هذا العام 100 مليون يورو لمراقبة حدودها والبحث عن المهاجرين وإنقاذهم”، بحسب فون دير لايين.
أرقام وإحصاءات
ووجد تقرير أعده معهد “إنيرجي”، نشرته صحيفة “الغارديان”، الاثنين، أن الوقود الأحفوري شكل ما نسبته 82% من إجمالي استهلاك الطاقة في العالم عام 2022.
ومن المتوقع أن يرتفع الاستهلاك العالمي للطاقة بشكل أكبر العام المقبل، مما قد يؤدي إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بعد أن أنهت الصين قيودها الصارمة التي فرضتها لمكافحة جائحة كورونا، وفتحت باب السفر إليها مجددا هذا العام، مما يزيد من استهلاك وقود الطائرات.
وقالت جولييت دافنبورت، رئيسة معهد إنيرجي: “على الرغم من النمو القوي في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، إلا أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة العالمية زادت مرة أخرى. ما زلنا نسير في الاتجاه المعاكس لما تتطلبه اتفاقية باريس”.
وجاء في التقرير، الذي نُشر بالشراكة مع KPMG وشركة Kearney للاستشارات، أن مصادر الطاقة المتجددة، باستثناء الطاقة المائية، لم تلبي سوى 7.5% من الطلب العالمي على الطاقة العام الماضي. ويمثل هذا زيادة بنسبة 1% تقريبا عن العام السابق، مدفوعة بالنمو القياسي في طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وارتفع توليد الطاقة الشمسية بنسبة 25% في عام 2022 بينما نما إنتاج طاقة الرياح بنسبة 13.5% مقارنة بالعام السابق.
ومع ذلك، فقد وجد التقرير أن طفرة الطاقة المتجددة قد طغى عليها ارتفاع متواضع في استهلاك الطاقة العالمي بنسبة 1.1% العام الماضي، مقارنة بزيادة 5.5% في عام 2021، مما يعني حرق المزيد من النفط والفحم لتلبية الطلب.
وارتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.9 مليون برميل يوميا العام الماضي ليصل إلى متوسط 97.3 مليون برميل يوميا لعام 2022، ويرجع ذلك جزئيا إلى عودة النشاط الاقتصادي العالمي بعد جائحة كورونا، وفقا لمعهد إنيرجي.
وفي الوقت نفسه، ارتفع الطلب على الفحم إلى مستويات عالية لم تسجل منذ عام 2014، إذ ارتفع بنسبة 0.6% مقارنة بعام 2021، مدفوعا بالطلب في الهند والصين، وفقا للتقرير.
وازداد الإقبال على طاقة الفحم تماشيا مع الأسعار المرتفعة القياسية للغاز في أوروبا وآسيا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وشكل الغاز 24% من استخدامات الطاقة في العالم العام الماضي، بانخفاض 25% في العام السابق، لكن إنتاج الغاز ظل ثابتا نسبيا.
وحذر معهد إنيرجي من أن الانبعاثات المرتفعة المرتبطة بالطاقة تخاطر بإخراج أهداف اتفاقية باريس للمناخ عن مسارها ما لم تتخذ الحكومات العالمية إجراءات عاجلة، وفقا للتقرير. وبموجب اتفاق باريس، يجب أن تنخفض الانبعاثات بمقدار النصف بحلول نهاية العقد، لتجنب إثارة مستويات كارثية من الاحتباس الحراري.