بعد أشهر من مطالباتها المتكررة، يبدو أن مسعى كييف بالحصول على طائرات من طراز “أف-16” أصبح أقرب من أي وقت مضى، بعد إعلان عدد من الدول الحليفة عن دعم برامج مشتركة لتدريب الطيارين الأوكرانيين على هذه المقاتلات، في خطوة قد تعتبر دلالة لتزويد القوات الجوية الأوكرانية بها، وفق ما نقلته صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وبدأت أوكرانيا حملة ضغط دولية للحصول على الطائرات المقاتلة منذ شهر يناير، في أعقاب موافقة ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية على تزويد قواتها بالدبابات.
وكشف مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، الجمعة، أن واشنطن “ستعمل مع حلفائها” بشأن تزويد كييف بطائرات “أف-16” وتدريب الطياريين الأوكرانيين.
وقال إن “الولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها خلال الأشهر المقبلة بعد إطلاق دورات تدريب طيارين أوكرانيين على استخدام مقاتلات أف-16، لتحديد عدد وموعد تزويد كييف بتلك المقاتلات والجهة التي ستسلمها لها”.
وأعلنت الدنمارك عن نيتها تدريب طيارين أوكرانيين على طائرات أف-16 “بعد الموافقة الأميركية”، ويأتي موقفها بعد إعلان كل بريطانيا وفرنسا عزمهما تدريب طيارين أوكرانيين على استخدام هذه المقاتلات.
ما هي طائرات “إف-16″؟
وتعد “إف-16” طائرات مقاتلة خفيفة الوزن تم تصميمها في السبعينيات، ودخلت الخدمة لأول مرة في عام 1979، واستخدمتها القوات الجوية الأميركية بكثافة في كل من حربي العراق وأفغانستان، بحسب صحيفة الغارديان.
وتم بناء الطائرة في الأصل من قبل الولايات المتحدة في تحالف مع بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج، لتصبح الطائرة، التي يمكنها الطيران بضعف سرعة الصوت، واحدة من أشهر الطائرات العسكرية على الإطلاق، ولا يزال استخدامها يتم على نطاق واسع.
وبحسب بيانات الشركة الأميركية المصنعة لهذه المقاتلات “لوكهيد مارتن”، فإن أكثر من 3000 طائرة من طراز “إف-16” تُستخدَم من جيوش 25 دولة.
واليوم، ورغم استبدالها بمقاتلات “إف-35” الأكثر تطورا، لا تزال شركة لوكهيد تصنع هذه الطائرة في ولاية ساوث كارولينا، لأنها أرخص ثمنا، ولأن الولايات المتحدة لا تمنح دائما إذن تصدير للمقاتلات الأكثر حداثة.
لماذا تريدها أوكرانيا؟
مع بداية الحرب، كانت أوكرانيا تعمل على أسطول ضعيف نسبيا من الطائرات سوفيتية الصنع (حوالي 120 مقاتلة) وفقا لمركز الأبحاث “IISS”، غير أن هذا العدد تناقص بشكل ملحوظ مع استمرار الحرب.
ويرى خبراء أنه بالنظر إلى عدد الطائرات والدفاعات الجوية الروسية، تحتفظ أوكرانيا بقدرة جوية محدودة، وأنها في حاجة إلى التجديد لمجابهة الأنظمة الجوية الروسية.
ورغم أن من أبرز سمات حرب أوكرانيا استخدامها المحدود نسبيا للقوة الجوية، إلا أن كييف تأمل في إمكانية الحصول على أسراب من الطائرات السريعة لدعم اختراقات قد تسعى لتحقيقها، أو على الأقل لمساعدتها في صد أي هجمات جوية روسية.
وكانت فرنسا التي تصنع طائراتها المقاتلة “منفتحة على الفكرة منذ البداية”، حيث اعتبر الرئيس، إيمانويل ماكرون، أن إمداد كييف بالطائرات “ليس من المحرمات”، طالما لا يمكن اعتبار الخطوة تصعيدية ولم يتم استخدامها لاستهداف الأراضي الروسية.
ومع ذلك، فإن موقف البيت الأبيض من الخطوة بقي بالغ الأهمية؛ لأن الولايات المتحدة تسيطر على إعادة تصدير الطائرات، بالإضافة إلى أن لا دولة تريد أن تكون بعيدة عن واشنطن، مع مخاوف من أي انتقام روسي محتمل، وفقا للصحيفة البريطانية.
وتطور موقف الولايات المتحدة بسرعة، من قرار بايدن برفض الخطوة أواخر شهر يناير الماضي، إلى إعلان واشنطن، الجمعة، عن دعم جهود دولية مشتركة لتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات “إف-16” وغيرها من الطائرات المقاتلة الحديثة.
وفيما لا يعني القرار بالضرورة تزويد الحلفاء الغربيين لأوكرانيا بهذه الطائرات فور انتهاء التدريب، لكن من شأن الخطوة الأخيرة، أن تسهل تسليم هذه الطائرات في وقت قصير، إذا ما غيروا رأيهم، وفقا للغارديان.
تفاصيل التدريب
وكشف مسؤولون غربيون، أمس الجمعة، أن التدريب سيبدأ في الأسابيع القليلة المقبلة في موقع غير معلن، بأوروبا وسيستغرق بضعة أشهر حتى انتهائه.
وتبقى قيادة طائرات “إف-16” محددة خصيصا للطيارين المتمرسين، وذكرت مصادر أن أوكرانيا انتقت 50 طيارا للمشاركة في هذه التدريبات.
وفيما تختلف التقديرات عن مدته، تشير التوقعات إلى أن تدريب الطيارين على الكفاءة القتالية قد يستغرق من أربعة إلى ستة أشهر.
وأشارت الغارديان إلى أن التدريب على استعمال “إف-16” سيشمل، إلى جانب الطيارين، أطقما عسكرية أرضية للدعم ومهندسين وتقنيين.
هل تصنع طائرات “إف-16” “الفرق المنتظَر”؟
يتعلق الأمر في الإجابة على هذا السؤال بعدد الطائرات التي يمكن لأوكرانيا الحصول عليها، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية، الذي أوضح أن “القوات الجوية الأوكرانية طالبت بـ200 طائرة، لكن الغرب سيتردد في إمداد كييف بهذا العدد”.
الخبير في الدفاع الجوي في المعهد الملكي للأبحاث “Rusi”، جاستن برونك، يرى أنه مع قوة الدفاعات الجوية الروسية، سيكون من الصعب على هذه المقاتلات تحقيق الدعم الجوي التقليدي القريب، مثل قصف مواقع العدو.
ويوضح أن هذه الطائرات ستضطر إلى التحليق على ارتفاع منخفض لتجنب الكشف، ونتيجة لذلك فإن استغلال مزاياها، أي قوة أسلحتها وراداراتها، سيكون محدودا.
وكتب على تويتر: “المقاتلات الغربية التي تحمل الأسلحة، ستمنح لأوكرانيا قدرة محسّنة على تدمير أهداف روسية ثابتة قرب الخطوط الأمامية من مسافة أكثر أمانا وستضيف خيارات ضربات جديدة، مثل التي تتم عبر المدفعية الصاروخية هيمارس”.
موقف روسيا
نقلت وكالة “تاس” للأنباء، عن ألكسندر جروشكو، نائب وزير الخارجية الروسي، السبت، القول إن دول الغرب ستواجه “مخاطر مهولة” إذا أمدت أوكرانيا بطائرات “إف-16”.
وجاء ذلك ردا من جروشكو على سؤال حول تداعيات إمدادات الطائرات التي تطلبها أوكرانيا من دول حلف شمال الأطلسي.
ونقلت تاس عن جروشكو القول: “نرى أن دول الغرب لا تزال ملتزمة إزاء سيناريو التصعيد. إنه ينطوي على مخاطر مهولة عليها”.
وأضاف “على أي حال، سيؤخذ ذلك في الاعتبار في جميع خططنا، ولدينا كل الوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف التي حددناها”.