تسجل الجزائر تزايدا لافتا لنشاط شبكات تهريب البشر عبر حدودها البرية والبحرية. ورحّلت السلطات 80 ألف مهاجر غير نظامي من دول أفريقية خلال الفترة الممتدة من من يناير إلى سبتمبر 2024، وفق ما أعلنه وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد شهر أكتوبر، بينما تهاجر أعداد لا حصر لها من “الحراقة” سنويا.
و”الحراقة” مصطلح متداول في الجزائر يطلق على الذين يهاجرون بحرا بطرق غير شرعية على متن قوارب سريعة تعمل بمحركات ذات قوة فائقة.
وتعتبر منطقة الساحل والصحراء الكبرى أهم المصادر الخارجية لتهريب البشر، الذين ينحدرون من جنسيات أفريقية مختلفة، خصوصا مالي والنيجر ونيجيريا والسودان والسينغال، والكاميرون، وساحل العاج، وبوركينافاسو.
وتنشط شبكات الهجرة الداخلية في المدن الساحلية، خصوصا الغربية منها والقريبة من السواحل الإسبانية، وتتولى تهريب جزائريين وأجانب من دول أفريقية أو من سوريا والمغرب. فمن أين تبدأ رحلة الاستثمار في مآسي وأحلام المهاجرين؟
3 طرق بحرية للحراقة
حددت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل التابعة للاتحاد الأوروبي (فرونتكس) 3 طرق بحرية للهجرة بطريقة غير نظامية من الجزائر نحو أوروبا.
وعبر 6062 مهاجرا من الجزائر نحو أوروبا ما بين يناير وأغسطس 2024، من ضمنهم 5245 شخصا من الجهة الغربية للمتوسطي (ولايات وهران، مستغانم، عين تموشنت وتلمسان)، بينما أبحر 752 حراقا عبر المنفذ الأوسط، وفق أحدث إحصائيات وكالة فرونتكس.
وتظهر المعطيات الرقمية أن غرب الجزائر بات المنفذ الأكثر استقطابا لتهريب البشر نحو أوروبا، وأشهر مناطقه مدينة بني صاف بولاية عين تموشنت (غرب) التي لا يفصلها عن ألميريا الإسبانية سوى 150 دقيقة على متن قارب سريع، فقد أحال القضاء الجزائري مئات القضايا لشبكات تهريب البشر لجزائريين ومغاربة معظمها من غرب البلاد، وفق تقرير نشرته صحيفة “الشروق الجزائرية” في وقت سابق.
عاصمة الحراقة
لا تخلو وسائل الإعلام المحلية من أخبار تفكيك شبكات للهجرة السرية في بني صاف التي تتميز بهدوء يخفي وراءه قصص آلاف الذين عبروا نحو ضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
وينهمك الصيادون بالميناء في ترتيب رحلاتهم اليومية، التي تبدأ من الغروب تحت مراقبة خفر السواحل حيث يزدحم المكان بمختلف أحجام القوارب.
ويقول إسماعيل (66 سنة متقاعد)، وهو من سكان المنطقة، إنه من الصعب المغامرة بإبحار الحراقة من الميناء الذي يبقى بعيدا عن نشاط شبكات التهريب، لكنه يؤكد لـ “الحرة” أن الهجرة تتم من “السواحل البعيدة عن أعين سكان المدينة، وقد يكون أقربها منطقة سيدي بوسيف الشرقية”.
وفي سيدي بوسيف شرعت السلطات في بناء جدار إسمنتي على طول منافذها الرئيسية المطلة على البحر، عوضا عن تركها لشبكات تهريب البشر، مثلما يشير إلى ذلك إسماعيل الذي أضاف أن إقامة مشاريع سياحية لتشغيل الشباب، وتشجيع السكان على الإقامة فيها “هدفها محاصرة تلك الشبكات وعدم ترك فراغات فيها”.
ثمن الهجرة وأموال الاحتيال
لا تخلو رحلات الهجر من الاحتيال الذي يتعرض لها شباب، ويرى حسين وهو جزائري (39 سنة) أنها “تتم من قبل وسطاء وليس منظمي الرحلات الذين يتفادون الدخول في متاهات”، ويضيف أنه تعرض قبل سنة إلى احتيال بعد أن طمأنه أحد الأشخاص على سلامة ترتيبات رحلة على متن قارب سريع من بني صاف اتجاه إسبانيا.
ويتابع حسين قائلا لـ”الحرة” إنه سلم 250 ألف دينار (1900 دولار) دفعة أولى ضمن مبلغ إجمالي يقدر بمليون دينار (7500 دولار).
انتظر حسين مكالمة هاتفية من الوسيط الذي اختفى عن الأنظار، وبعد أيام من الموعد المحدد، اكتشف أن الشخص الذي نصب عليه أبحر هو الآخر حرّاقا لإسبانيا في نفس القارب الذي ادّعى أنه حجز له مقعدا فيه.
من الخرطوم إلى الجزائر
استغرقت رحلة السوداني صلاح (27 سنة) ورفيقه عثمان (35 سنة) أربعة أشهر للوصول إلى الحدود بين الجزائر والمغرب قادمين من الخرطوم، بعد أن خاضا مخاطر عدة.
يروي صلاح وعثمان لـ “الحرة” تفاصيل رحلتهما الحذرة التي بدأت من الخرطوم على متن إحدى السيارات في قافلة، وكانت وجهتهما منطقة الكفرة الليبية (جنوب) على الحدود بين البلدين رفقة عشرات المهاجرين.
ومن الكفرة كانت الوجهة مدينة أجدابيا (شمال شرق)على مسافة 900 كلم، دفع خلالها صلاح وعثمان مبلغ 750 دينار (150 دولار) لكل واحد منهما، رفقة العشرات من المهاجرين الذين تم وضعهم في “محشر تحت حراسة أشخاص” رافقوهم نحو العاصمة طرابلس التي تطلب الوصول إليها يوما على متن مركبات، مقابل 750 دينار.
ويشير صلاح وعثمان لـ “الحرة” إلى “الظروف القاسية” لتنقلهما وإقامتهما ومعاناتهما من الجوع والعطش والاعتداءات المختلفة، قبل أن يستأنفا رحلتهما في شاحنة اتجاه منطقة الدبداب على الحدود الليبية الجزائرية.
لم يكن من السهل تقبل تركهما في قلب الصحراء من طرف الشبكة التي تولت جلبهما من طرابلس رفقة عشرات المهاجرين مقابل 1000 دينار ليبي (200 دولار) لكل شخص، بينما كان الاتفاق يقضي تسليمهما لعناصر جزائرية لتهريبها من الدبداب اتجاه الجزائر العاصمة.
وبعد رحلة معقدة وصلا إلى مدينة مغنية قرب تلمسان (غرب) على الحدود الجزائرية المغربية التي تعذر عليهما اجتيازها مفضلين العودة بحثا عن فرصة أخرى نحو جنوب المتوسط.
من حماة السورية إلى بجاية الجزائرية
يبحث فاضل (33 سنة أب لـ 3 بنات) عن طريقة لمغادرة الجزائر التي قدم إليها سنة 2013 من مدينته حماة السورية في أعقاب تردي الأوضاع الأمنية هناك. كانت رحلة فاضل قانونية حيث دخل الجزائر بجواز سفره الذي انتهت صلاحيته الآن.
يروي فاضل لـ “الحرة” رحلته للاستقرار في مدينة بجاية بمنطقة القبائل شمال الجزائر، إلا أن الظروف لم تساعده على الاستقرار، مفضلا التوجه نحو مدينة تلمسان (غرب) بحثا عن فرصة لا زال ينتظرها، إما لتحسين ظروفه، أو الهجرة، أو العودة لبلده، ويقر المتحدث أن تجربته كانت “فاشلة بسبب تعقيدات الوضع الاجتماعي حيث تتطلب رحلة الإبحار مبالغ باهضة”، ويقف اليوم وسط طريق عمومي ملتمسا مساعدة المارة الذين يساعدونه كل حسب قدراته.
خبير أمني: هذه مخاطر تهريب البشر على الجزائر
سارعت الجزائر لتشديد عقوبات تهريب البشر ومكافحة الهجرة السرية، بعدما عدلت قانون الوقاية من الاتجار بالبشر ومكافحته، في مايو/أيار 2023، وتتراوح عقوبته ما بين 5 سنوات حبسا نافذا والمؤبد، كما تمكنت خلال السنة الجارية من إعادة 6000 مهاجر من دول أفريقية إلى بلدانهم بالتنسيق مع حكوماتهم، حسب ما أفاد به وزير الداخلية الجزائرية الشهر الماضي.
وكان التقرير السنوي للخارجية الأميركية أشار في يونيو/حزيران الماضي إلى أن الجزائر “تبذل جهودا للقضاء على الاتجار بالبشر”.
ويعتقد الدبلوماسي الجزائري السابق المتخصص في قضايا الأمن، مصطفى زغلاش، أن شبكات الاتجار بالبشر وتهريبهم “تشكل تهديدا أمنيا واقتصاديا واجتماعيا على استقرار الجزائر، مرجعا ذلك إلى “الغموض الذي يكتنف هويتها التي يشتبه في ارتباطها بجهات تسعى لإثارة الفوضى الأمنية داخل البلاد”.
ويتابع زغلاش قائلا لـ”الحرة” إن هذه الشبكات “تستغل الأوضاع الصعبة التي يعيشها رعايا دول الساحل والصحراء الكبرى لتنظيم قوافل التهريب اتجاه الجزائر انطلاقا من الحدود الجنوبية”.
ويرى المتحدث أن “الشبكات الداخلية التي تهرب جزائريين نحو أوروبا أقل خطرا على الأمن لكنها تهدد النسيج الاجتماعي لمساهمتها في النزيف البشري”، مضيفا أنها ذات امتداد محلي بحت”، وأوضح أن المقاربة الجزائرية لمعالجة الهجرة تعتمد على “الأمن والتنمية” في المنطقة.
المصدر: الحرة
المصدر: الحرة