يقبع عدد من زعماء الأحزاب السياسية المعارضة في تونس في السجن، وبعضهم يواجه تهما خطيرة أبرزها “التآمر على أمن الدولة” وهو ما يثير الكثير من الأسئلة والتكهنات في الأوساط التونسية بشأن مصير هذه الأحزاب في ظل غياب “ربّانها”.
وتشمل قائمة قادة الأحزاب المودعين في السجن، رئيس حركة النهضة (إسلامي) راشد الغنوشي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي وأمين عام حركة عازمون العياشي زمال.
ويقارب عدد النشطاء الحزبيين المسجونين في تونس، نحو 40 شخصية بين وزراء سابقين وبرلمانيين وفاعلين في أحزاب وازنة، وفق تقارير لمنظمات حقوقية.
وكانت الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو 2021 وأعقبها بخطوات تتمثل في حل الحكومة والبرلمان وعدد من الهيئات الدستورية منطلقا لأزمة سياسية جديدة في البلاد، تخللتها حملة اعتقالات واسعة طالت سياسيين ورجال أعمال وحقوقيين.
في خضم ذلك، تتهم أحزاب المعارضة نظام الرئيس قيس سعيد بالسعي إلى “تصفية خصومه السياسيين والتنكيل بهم داخل السجون”، فيما يؤكد هذا الأخير أن الاعتقالات تأتي في سياق “حرب تحرير وطني ضد الفساد ومحاسبة من أجرموا في حق الشعب”.
في المقابل، تثير محاكمة عدد من قادة الأحزاب السياسية المعارضة في تونس، الجدل بشأن تداعياتها على نشاط هذه الأحزاب ومصيرها.
ارتباك وخوف
تعليقا على هذا الموضوع، يرى الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري (معارض) وسام الصغير، أن توسع حملة الاعتقالات في تونس أحدث ارتباكا وخوفا لدى الأحزاب السياسية وجعل نشاطها يتضاءل تدريجيا ليقتصر مجال اهتمامها على الجانب الحقوقي والمطالبة بإطلاق سراح السجناء.
ويضيف الصغير في حديثه لـ”الحرة”: أن ثقافة العمل السياسي الحزبي ارتبطت منذ جيل الستينات في تونس بالشخص الذي يقود الحزب سواء كان أمينا عاما أو رئيسا، لذلك فإن أي فراغ ناجم عن غياب القائد يخلف أضرارا ويؤثر بشكل مباشر في ديناميكية العمل الداخلي ونشاط الحزب.
ويبيّن في هذا الخصوص، أن الثقافة السياسية التي بنيت عليها الأحزاب في تونس لم تطور إلى مستوى ما وصلت التجارب الديمقراطية في عديد الدول، مشيرا إلى أنها “ظلت حبيسة الشخص الواحد والزعيم الواحد”.
وفي سبتمبر الماضي، ثبتت محكمة الاستئناف في تونس حكما ابتدائيا يقضي بسجن الغنوشي ثلاث سنوات في قضية ما يعرف محليا بـ”اللوبيينغ” فيما لم يتم بعد الحسم في مصير قضايا أخرى يواجهها من بينها “التآمر على أمن الدولة”، وهي القضية ذاتها التي يواجهها الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي.
بدورها تواجه زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي أعتقلت في أكتوبر من العام الماضي، حكما بالسجن 16 شهرا على خلفية شكاية رفعتها ضدها الهيئة العليا للانتخابات فضلا عن قضايا أخرى أبرزها “التخطيط لتبديل لهيئة الدولة” والتي تصل عقوبة التهم فيها إلى الإعدام.
ووصل مجموع الأحكام القضائية الصادرة في حق أمين عام “حركة عازمون” العياشي الزمال إلى 31 سنة سجنا وذلك على خلفية قضايا مرتبطة بتزوير تواقيع تزكيات ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية التي جرت في 6 أكتوبر 2024.
استمرار الأحزاب
“إن المرحلة التي تمر بها البلاد تحت قيادة الرئيس سعيد لن تقضي على فكرة الأحزاب كعنصر أساسي في العملية السياسية ذات التوجه الديمقراطي وستبقى فكرة الديمقراطية مرتبطة بالأحزاب إلى أن يأتي ما يخالف ذلك”، هذا ما يراه المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي بشأن مصير الأحزاب السياسية المعارضة التي تم اعتقال قادتها.
ويقول الجورشي لـ”الحرة”: إن بعض الأحزاب السياسية مرت بأزمات أكثر قسوة من تلك التي تمر بها حاليا ومع ذلك استطاعت أن تحافظ على وجودها واستمراريتها وإن كان بنسق ضعيف وقدرة محدودة على النضال وبناء نفسها من جديد.
ويتوقع المتحدث أن تواجه الأحزاب المعارضة في تونس أياما صعبة بعد خروج قياداتها، مؤكدا أن الفترة القادمة تحتاج لمراجعة جذرية وعميقة حتى تعيد هذه الأحزاب ترتيب أوراقها بناء على المشهد السياسي الجديد والذي قد يحدد من الأحزاب التي ستبقى ومن التي ستختفي.
ويناهز عدد الأحزاب السياسية في تونس نحو 240 حزبا، بعضها أعلن مساندته وانخراطه الكامل في مسار 25 يوليو 2021 الذي أعلن عنه الرئيس سعيد والبعض الآخر اختار طريق المعارضة التي تحولت في ما بعد إلى ائتلافات حزبية تناهض توجهات السلطة وقراراتها.
“مصير متشابه”
من جانبه، يرى المحلل السياسي خليفة الشيباني أن مصير جل الأحزاب السياسية في تونس يكاد يكون متشابها، خاصة تلك التي تأسست بعد الثورة التونسية في 2011 وكان وجودها ظرفيا ومرتبطا بالمرحلة السياسية التي تعيشها البلاد فضلا عن ارتباطها بأشخاص معينين.
ويؤكد الشيباني في حديثه لـ”الحرة” بالقول: خلافا لأسس تكوين الأحزاب في الديمقراطيات العريقة من تناوب على القيادة وضبط هيكلية وبرامج واضحة، فإن جل الأحزاب في تونس تقوم على فلك شخص لا ينازعه على القيادة أحد وبذلك يبقى مصير الحزب مرتبط بوجوده وبقائه.
ويتابع في السياق ذاته بأن الكثير من الأحزاب اختفت من المشهد السياسي في تونس بمجرد مغادرة مؤسسيها البلاد أو اعتقالهم، موضحا أن السبب وراء ذلك “غياب ديمقراطية التداول على القيادة من أجل الاستمرارية” إلى جانب فشلها في إدارة الحكم في تونس.
جدير بالذكر أنه باستثناء بعض البيانات السياسية، بدا نشاط الأحزاب المعارضة والموالية للسلطة في تونس ميدانيا ضئيلا وخفتت تحركاتها بشكل لافت بعد أن كانت قبل ما يزيد عن ثلاث سنوات مؤثرا فاعلا في المشهد السياسي في البلاد.