بعد تتويج، تشارلز الثالث، السبت، ملكا للمملكة المتحدة في ويستمنستر آبي خلال مراسم دينية مهيبة أمام حوالى 2300 مدعو، رصدت وسائل الإعلام مشاهد عدة من هذه الاحتفالات التاريخية.
وبعد ثمانية أشهر على وفاة الملكة إليزابيث الثانية، وضع رئيس أساقفة كانتربري، جاستن ويلبي، التاج على رأس الملك تشارلز الثالث، السبت، قبل أن تتوج زوجته، كاميلا، ملكة.
وقبل ذلك بوقت قصير، أقسم الملك على خدمة رعاياه وحماية كنيسة إنكلترا التي هو رئيسها الأعلى. وسمعت هتافات “ليحفظ الله الملك” داخل الكنيسة وخارجها.
وصدحت الأبواق في أنحاء الكاتدرائية في المراسم وأطلقت المدافع الاحتفالية برا وبحرا لمناسبة خامس تتويج لملك على عرش بريطانيا منذ 1838.
ومراسم التتويج هي الثانية التي تُبث على التلفزيون والأولى بالألوان وبخدمة البث التدفقي على الإنترنت. وتُعد تأكيدا دينيا لاعتلاء تشارلز العرش، إذ إنه الملك منذ وفاة والدته بعدما أمضى سبعة عقود بولاية العهد.
مهرجانات في الشوارع
وامتدت المراسم، السبت، على مدى ساعتين، وعلى رغم أن بعض محطاتها تم تحديثها، إلا أن جزءا كبيرا منها متوارث من ألف عام عن أسلاف الملك وعددهم 39 تُوّجوا في كاتدرائية ويستمنستر منذ عام 1066.
وبحسب شبكة “سي إن إن”، فإن الحفل شهد مشاركة 4000 فرد من القوات المسلحة و250 حصانا و19 فرقة عسكرية، بالإضافة إلى آلاف المدعوين من قادة الدول.
وتستمر الاحتفالات بتتويج تشارلز الثالث ملكا للمملكة المتحدة لليوم الثاني على التوالي، الأحد، حيث يحضر الملك حفلا موسيقيا يضم مغنيين مثل ليونيل ريتشي، وكاتي بيري، وأندريا بوتشيلي، في قلعة وندسور عقب إقامة حفلات في الشوارع في أنحاء بريطانيا ضمن إطار الاحتفالات بتتويجه.
ومن أبرز فعاليات الحفل ما أطلق عليه “إنارة الأمة” حين تُنار المعالم والمناطق ذات الجمال الطبيعي في جميع أنحاء البلاد بتسليط الأضواء الكاشفة عليها أو استخدام الليزر.
هاري و”التناقض” مع أندرو
في غضون ذلك، كانت هناك تكهنات واسعة النطاق قبل الحفل حول ما إذا كان الأمير هاري سيكون متواجدا في تتويج والده.
وبالفعل، حضر دوق ساسكس مراسم التتويج في وستمنستر آبي، السبت، لكنه كان جالسا في الصف الثالث خلف شقيقه وليام بصفين.
وحضر الأمير هاري دون زوجته، ميغان، التي قيل إنها بقيت في الولايات المتحدة مع أطفالها، حيث يحتفل نجلهما، آتشي، بعيد ميلاده الرابع.
وكان حفل التتويج المناسبة الأولى التي يلتقي فيها الأمير هاري علنا بأفراد من عائلته منذ إصدار مذكراته “سبير” والتي أثارت جدلا واسع النطاق داخل العائلة الملكية البريطانية.
ووصل هاري مرتديا بدلة مع ميدالياته العسكرية إلى جانب أعمامه، الأمير إدوارد والأمير أندرو، واثنين من أبناء عمومته، الأميرة بياتريس والأميرة يوجيني.
لكن مشهد الأمير أندرو وهو يرتدي الرداء الملكي العسكري الكامل يأتي متناقضا مع ظهور هاري، علما بأن كليهما فقد الألقاب الملكية، بحسب موقع “ياهو نيوز”.
وارتدى الأمير أندرو وسام الرباط الرسمي، الذي يحمل الدلالة على الرفعة والمكانة المرموقة، حيث يعتبر أعلى مراتب أوسمة ربطة الساق التي تأسست عام 1348 للفرسان المحاربين الإنكليز.
لقطة الشرفة
وبعد العودة إلى القصر الملكي، وهذه المرة على متن عربة “غولد ستايت كوتش” تجرها ثمانية أحصنة، أطل تشارلز وكاميلا من على الشرفة وكلّ منهما يضع تاجه، وإلى جانبهما وليام وزوجته كايت وأولادهما الثلاثة، إضافة إلى شقيقي الملك إدوارد وآن.
كان الوقوف في شرفة قصر باكنغهام لحظة محورية عقب حفل التتويج، حيث يخرج الملك في العادة لتحية الشعب في لقطة تحمل رمزية تاريخية تعود لمئات السنين.
في العام الماضي، أطلت الملكة الراحلة، إليزابيث الثانية من على شرفة قصر باكنغهام وسط تصفيق آلاف الأشخاص مع انطلاق احتفالات ذكرى مرور سبعين عاما على اعتلائها العرش وهي مدة قياسية.
وكانت تلك اللحظة ذروة مرتقبة جدا لأربعة أيام من الاحتفالات باليوبيل البلاتيني لواحدة من أشهر الملوك في العالم والتي كانت تشكل رمز استقرار رغم التقلبات التي تمر بها البلاد.
والسبت، احتشد آلاف من الناس الذين قدموا لتهنئة الملك الجديد وسط هطول أمطار ربيعية في العاصمة البريطانية لندن. وكان الناس يلوحون بأعلام المملكة المتحدة وهم يهتفون “حفظ الله الملك”.
وكان الملك تشارلز والملكة كاميلا أول من خرج من القصر نحو الشرف لتحية الناس. ثم انضم إليهما بقية أفراد العائلة المالكة. لكن الشرفة سجلت غيابا واضحا للأمير هاري والأمير أندرو شقيق الملك تشارلز الثالث بعد أن فقدا امتيازاتهما الملكية.
كان غياب الأمير هاري نظرا لتنازله عن ألقابه الملكية وذهابه للعيش في الولايات المتحدة مع زوجته وأطفاله، بينما جُرد الأمير أندرو من ألقابه العسكرية وأدواره في رعاية الجمعيات وفقد لقب “صاحب السمو الملكي” بسبب قضية تتعلق بمزاعم الاعتداء الجنسي رفعتها ضده، فرجينيا جوفري، قبل التوصل لتسوية مالية خارج نطاق القضاء.
وتقول المدعية إنها مارست الجنس مع الأمير أندرو عندما كان عمرها 17 عاما، أي قاصرا بموجب القانون الأميركي، وذلك بعد أن التقته من طريق رجل الأعمال الراحل، جيفري إبستين، المدان بالاعتداء الجنسي على قاصرات. ولم توجّه اتهامات جنائية للأمير ونفى هذه المزاعم بشدة.
وذكرت شبكة “سي إن إن” الإخبارية إن الأمير هاري لم يتلقَ دعوة للانضمام إلى العائلة الملكية في ظهورها من شرفة القصر، حيث خرج وحيدا من الحفل الذي أقيم ويستمنستر آبي.
وتابع الحاضرون في الساحة المقابلة لقصر باكنغهام عرضا للقوات الجوية الملكية تم اختصاره بسبب الطقس الماطر. وبعدما ترك أفراد العائلة الشرفة إلى داخل القصر، عادوا لفترة وجيزة لتحيّة الجمهور مجددا.
فستان الملكة
كان زي الملكة موضع ترقب مستمر قبل الحفل. ولكن عندما دخلت إلى وستمنستر آبي، لم تخيب كاميلا الآمال بعد أن جمعت بين التقاليد الملكية واللمسات الأكثر حداثة، بحسب شبكة “سي إن إن” الإخبارية.
وعند وصولها، كانت كاميلا ترتدي رداء الدولة القرمزي المخملي الذي صُنع في الأصل لتتويج الملكة إليزابيث الثانية، حيث تم حفظه وتعديله من قبل أقدم الخياطين في لندن.
وصمم فستان الملكة المطرز باللون العاجي والفضي والذهبي من قبل المصمم البريطاني، بروس أولدفيلد، الذي صرح قائلا: “شرف لي أن يطُلب مني تصميم مثل هذا الفستان التاريخي لصاحبة الجلالة. إنها حقا أهم مهمة في حياتي”، وفقا لشبكة “سي إن إن” الأميركية.
احتجاجات ضد الملكية
إلى ذلك، ألقت الشرطة البريطانية القبض على زعيم جماعة ريبابليك المناهضة للملكية و51 آخرين خلال تتويج الملك. وقال رجال الأمن إن واجبهم في الحيلولة دون وقوع اضطرابات يفوق الحق في الاحتجاج.
وتجمع مئات المحتجين وسط الحشود التي اصطفت على جانبي طريق موكب الملك في وسط لندن. وارتدى المحتجون قمصانا صفراء ليتميزوا عن الحشود التي ارتدت ملابس حمراء وبيضاء وزرقاء، ورفعوا لافتات كتب عليها “ليس مَلكا لي”.
وقالت الجماعة إن الشرطة البريطانية ألقت القبض على زعيمها، غراهام سميث، قبل بدء الموكب وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رجال الأمن وهم يصادرون لافتات المحتجين.
وقالت كارين فيندلاي، من شرطة لندن في بيان، “نتفهم تماما القلق العام بعد الاعتقالات التي قمنا بها هذا الصباح”.
وأضافت: “على مدار الساعات الأربع والعشرين الماضية، أطلقت الشرطة عملية كبيرة بعد أن تلقينا معلومات عن اعتزام المتظاهرين تعطيل مراسم التتويج”.
وقالت الجماعة في وقت سابق إنها ستنظم أضخم احتجاج مناهض لملك بريطاني في تاريخ البلاد الحديث وأطلق محتجون صيحات استهجان عندما شق الملك تشارلز والملكة كاميلا طريقهما إلى كنيسة وستمنستر أبي.
وقال كيفن جون (57 عاما)، وهو بائع من ديفون كان من بين المحتجين، “إنه أمر مثير للاشمئزاز ومبالغ فيه بشدة … سيأتي بنتائج عكسية؛ لأن كل ما فعلته الشرطة سيعطينا قدرا كبيرا من الدعاية. إنه جنون تام”.
ولم تؤكد الشرطة القبض على سميث، لكنها قالت إن القوات تحركت نظرا لاعتقادها أن المحتجين سيسعون إلى تشويه المزارات العامة بالرسومات وتعطيل “التحركات الرسمية”. وأضافت فيندلاي: “كل هؤلاء الأشخاص ما زالوا رهن الاحتجاز”.
واندلعت احتجاجات أيضا في جلاسكو باسكتلندا وكارديف في ويلز، ورفعت لافتات كتب عليها “ألغوا الملكية، أطعموا الناس”.
وتحدث كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي عن أزمة تكلفة المعيشة في بريطانيا وقارنوها بمظاهر البذخ والترف التي واكبت حفل التتويج. وعلى الرغم من كون المناهضين للملكية أقلية بالمقارنة مع عشرا الآلاف المحتشدين في شوارع لندن لدعم الملك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن مناصرة الملكية في تراجع وأنها في أضعف مستوياتها بين الشبان.
ومع انتقال التاج من الملكة إليزابيث إلى ابنها الأقل شعبية، يأمل ناشطو الحركة في أن يكون تشارلز هو آخر ملك بريطاني متوج.
وقال النائب كلايف لويس من حزب العمال المعارض “إنه ملياردير بالوراثة وُلد في جو من الثراء والامتيازات ويرمز أساسا إلى عدم المساواة بين الثروة والسلطة في مجتمعنا”.