أنهى مبعوث الصين بشأن الأزمة في أوكرانيا جولة أوروبية استمرت قرابة أسبوعين مع توقف في موسكو، الجمعة ، ليختتم مهمة كانت بمثابة اختبار رئيسي لمحاولة بكين التوسط في إنهاء الصراع المتصاعد بين موسكو وكييف.
وبحسب تقرير شبكة “سي أن أن” الإخبارية، فقد لقي اهتمام بكين المعلن بتعزيز التواصل من أجل حل النزاع ترحيبا مبدئيا في أوروبا، حيث التقى المبعوث الصيني الخاص، لي هوي، بمسؤولين في أوكرانيا وبولندا وفرنسا وألمانيا ومقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل عبر جولة بدأت في 16 مايو.
لكن جولة لي، بحسب محللين، كشفت عن الانقسامات بين الصين وأوروبا بشأن كيفية إحلال السلام، وإنهاء الحرب لاسيما مع وجود تحالف وثيق بين موسكو وبكين.
وكان لي قد لقي استقبالا حارا خلال محطته الأخيرة في موسكو (حيث قضى سابقا عقدا من الزمن كسفير للصين)، إذ أشاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الجمعة بوقف بكين الذي وصفه بـ”المتوازن” بشأن الحرب واستعدادها للعب “دور إيجابي”.
في المقابل، شدد المسؤولون الأوروبيون على نقطة مختلفة تمثلت في أن إحلال السلام يجب أن يتم من خلال سحب روسيا قواتها الغازية واستعادة كييف سيادتها على جميع أراضيها.
ويرى الأوروبيون أن مصالحهم تكمن في رؤية الصين تلقي بثقلها وراء مطالبهم، وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى الآن.
وبدلا من ذلك، دعا لي، وفقا لقراءات من بكين، إلى بناء “إجماع” تجاه محادثات السلام وتعزيز “البنية الأمنية” لأوروبا، وذلك في إشارة مستترة إلى وجهة نظر الصين بأن أوروبا لا ينبغي أن تحمي نفسها من خلال مؤسسات مثل الناتو، والتي تشمل الولايات المتحدة دون روسيا.
وفي هذا السياق، يوضح المؤرخ والأكاديمي الصيني ستيف تسانغ، مدير معهد”SOAS” في لندن أن “المشكلة الأساسية هي أن بكين لا تريد أن يبدو أن موسكو أو بوتين قد فشلا … والتسوية التي تتطلب من روسيا أن تتخلى عن الأراضي التي احتلتها في الغزو ستكون هزيمة للكرملين”.
وتابع: “هذا الأمر ليس مطروحا على طاولة النقاش بالنسبة للصين”.
وأضاف: “لكن أوكرانيا لا يمكنها قبول أي شيء لا ينطوي على استعادة أراضيها.. و الاتحاد الأوروبي غير راغب في رؤية روسيا تظهر وكأنها قد حققت المكاسب الإقليمية من غزوها”.
سلام “عادل”
ورفضت الصين – التي تنظر إلى روسيا كشريك أساسي وثقل موازن لها وسط توتراتها المتزايدة مع الغرب- إدانة غزو موسكو لأوكرانيا أو الدعوة إلى انسحاب القوات الغازية من أراضي أوكرانيا، وذلك رغم نزوح ولجوء ملايين ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين والجنود منذ انطلاقة الغزو في أواخر فبراير من العام الماضي.
ووفقا لتحليل “سي أن أن”، فقد أرعب هذا الموقف كثيرا من دول أوروبا، في حين جاءت جولة لي في الوقت الذي تحاول فيه الصين إصلاح العلاقات هناك.
وذكرت ورقة موقف غامضة الصياغة مؤلفة من 12 نقطة بشأن رؤية الصين لـ “التسوية السياسية” للنزاع، والتي صدرت في وقت سابق من هذا العام، والتي روج لها لي خلال جولته ، أنه يجب معالجة “المخاوف الأمنية المشروعة” لـ “جميع البلدان” .
كما قال إنه يجب التمسك “بسيادة واستقلال وسلامة أراضي” جميع البلدان.
لكن الأهم من ذلك أن الورقة لم تطالب بانسحاب القوات الروسية لإنهاء الأعمال العدائية، وبدلا من ذلك دعت إلى وقف إطلاق النار، وهي نقطة قال منتقدون غربيون إنها ترقى إلى مستوى السماح لروسيا بتعزيز مكاسبها الإقليمية غير المشروعة.
وكانت انتقادات موقف الصين بشأن كيفية إنهاء الصراع وعلاقتها الوثيقة مع روسيا ضمنية في الملخصات التي قدمها المسؤولون الأوروبيون لاجتماعاتهم مع لي، حيث حثوا بكين على التوافق أكثر مع وجهات نظرهم.
وصرح نائب وزير الخارجية البولندي، فويتشخ جيرويل، أن “أي محاولات للمساواة بين وضع روسيا (المعتدي في هذا الصراع)، وأوكرانيا (الضحية)، أمر غير مقبول”.
وقال نائب الأمين العام للاتحاد الأوروبي للشؤون السياسية، إنريكي مورا، في اجتماعه مع المبعوث الصيني: “أي طريقة مجدية لإنهاء الحرب العدوانية الروسية غير القانونية ضد أوكرانيا يجب أن تكون متسقة مع ميثاق الأمم المتحدة برمته”.
وفي نفس السياق، أوضح رئيس الشؤون السياسية والأمنية بوزارة الخارجية الفرنسية، فريديريك موندولوني، أن باريس مقتنعة بأن الصين يمكن أن تلعب دورا في “سلام عادل ودائم”، لا سيما بشأن “سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها”، مع التأكيد على أن موسكو تتحمل “المسؤولية الكاملة عن إطلاق العنان للحرب واستمرارها”.
وشدد وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، أيضا على “صيغة السلام” الخاصة بكييف، والتي تتضمن دعوة لا لبس فيها إلى انسحاب القوات الروسية إلى الحدود المعترف بها دوليا، وذلك عندما التقى لي في وقت سابق من هذا الشهر.
وردا على سؤال بشأن جولة لي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إن جهود بكين تجاه محادثات السلام “حظيت بتفاهم ودعم واسعين في المجتمع الدولي”.
تساؤلات
لكن بينما أصرت بكين على أنها لا تزال محايدة بشأن الحرب، فإن تحالفها الوثيق مع روسيا وعلاقتها المثيرة للجدل مع الولايات المتحدة – التي اتهمتها بتأجيج الصراع من خلال دعم أوكرانيا – أثارت أيضا تساؤلات بشأن نوايا الصين ودوافعها تجاه إحلال السلام.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تناول كوليبا تقريرا في صحيفة “وول ستريت جورنل” نقل عن مسؤولين غربيين قولهم إن لي دفع محاوريه الأوروبيين للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، والذي من شأنه أن يترك أجزاء من أوكرانيا تحت سيطرة روسيا.
وقال كوليبا في رسالة فيديو على موقعه على فيسبوك: “اتصلت على الفور بزملائي في العواصم التي زارها (المبعوث الصيني)، وأكدوا جميعا أنه لم تكن هناك محادثات أو مفاوضات بشأن الاعتراف بسيطرة روسيا على تلك الأراضي المحتلة في أوكرانيا”.
وأضاف: “لن يفعل أحد أي شيء ضدنا من وراء ظهر أوكرانيا، لأننا بنينا علاقات ثقة مع جميع شركائنا الرئيسيين”.
وعندما سئلت عن التقرير الإخباري في مؤتمر صحفي يوم الاثنين، نفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية توصيف وول ستريت جورنل لاجتماعات لي وأشارت بدلا من ذلك إلى قراءات الصين الخاصة بشأن الاجتماعات.
وفي حين أن بكين قد يكون لها تأثير محدود عندما يتعلق الأمر بتغيير وجهات النظر بشأن شروط السلام، يقول مراقبون إن هناك مجالات ترحب بتعزيز الاتصالات معها، بما في ذلك الأمن الغذائي والإغاثة الإنسانية ومواجهة التهديدات النووية.
في غضون ذلك، لا يزال هناك أمل في أن تتمكن الصين من استخدام علاقتها مع الكرملين لدفع بوتين نحو السلام، وهي وجهة نظر روج لها مؤخرا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارة إلى بكين الشهر الماضي.
ويوضح الزميل والباحث في مركز بول تساي الصيني بكلية الحقوق بجامعة ييل الأميركية، موريتز رودولف، أن: “جولة المبعوث الصيني ذات قيمة بالنسبة للأوروبيين لأنهم يستطيعون استخدام لي لإيصال رسالة مباشرة إلى القيادة في بكين، وربما إلى موسكو”.
وتابع: “لي لديه خط مباشر مع (الرئيس الصيني) شي جين بينغ، وقد يكون أكثر استعدادا للوصول إليه من موظفي سفارات بكين في ألمانيا أو فرنسا أو بولندا”.
وختم بالقول: “السؤال الحاسم هو ما هي رسالة أوروبا (كييف ووارسو وبرلين وباريس وبروكسل) التي سوف يحملها لي إلى موسكو وبكين؟”