قالت الأمم المتحدة أمس الأربعاء إنه يجب فتح تحقيق مستقل بشأن ملابسات التفجيرات الجماعية التي استهدفت عناصر من حزب الله، كما طالبت بمحاسبة من أمر ونفّذ مثل هذه الاعتداءات، لأن استهداف آلاف الأفراد من دون معرفة من كان بحوزته هذه الأجهزة ينتهك القانون الدولي الإنساني.
وخلال اليومين الماضيين، انفجرت مئات أجهزة اتصال يحملها عناصر من حزب الله في لبنان وسوريا، وأدت إلى مقتل 32 شخصا وإصابة الآلاف، جراح بعضهم خطيرة، حسب ما أعلنته وزارة الصحة اللبنانية.
وفور الهجمات، أعلن حزب الله -في بيان- أن “إسرائيل مسؤولة” عن الهجوم، وقال إن “العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم من حيث يحتسب ولا يحتسب”، في حين ما تزال تل أبيب تلتزم الصمت الرسمي.
خرق أمني
وفور وقوع الانفجارات، تعددت الروايات التي تفسر أسبابها، ومن يقف وراءها، ولماذا في هذا التوقيت، حيث كشف مصدر أمني للجزيرة عن أن أجهزة الاتصالات (البيجر) التي انفجرت كانت مفخخة بشكل مسبق، وأن زنة العبوة التي تم تفجيرها لم تتجاوز 20 غراما من المواد المتفجرة.
وأضاف المصدر أن أجهزة الاتصال التي تعرضت للتفجير تم استيرادها قبل 5 أشهر، مشيرا إلى أنه يجري حاليا التحقيق في مجموعة فرضيات حول كيفية تفعيل الشحنة المتفجرة.
ويتبنى هذه الرواية الخبير الأمني والعسكري أسامة خالد، إذ يقول إن عملية تمرير أجهزة ملغمة بمواد متفجرة مثل هذه تمت في سياق يُظهرها على أنها آمنة وضمن عملية إخفاء وتمويه معقدة لجعل اكتشافها أمرا صعبا أمام أجهزة الفحص والرقابة.
وأضاف خالد -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن مراحل الكشف عن أي أجهزة من هذا النوع تكون ضمن ضوابط تقنية ورقابية لدى المنظومات العسكرية والأمنية للتأكد من سلامة هذه الأجهزة وملاءمة استخدامها حسب متطلبات العمل، خاصة ما يتعلق بالتعقب والتنصت والمواد المتفجرة.
ويصف الخبير الأمني والعسكري ما حدث من تفجيرات بأنه عمل استخباراتي وأمني بامتياز، يأتي في إطار صراع الأدمغة وحرب العقول التي تدور رحاها بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وأجهزة حزب الله، وتُصنف هذه العملية ضمن ما يعرف “بالتخريب الاستخباري” الذي تقوم بها وحدات استخباراتية داخل خطوط العدو مُسببة ضررا في المعدات وملحقة أذى في صفوف الأفراد.
عملية استبدال
ومن التفسيرات التي طُرحت لبيان أسباب تفجير أجهزة حزب الله أن هناك ثغرة في الأمن السيبراني تمت عن طريق برمجيات تتحكم في الجهاز عبر الولوج إلى النظام الداخلي للجهاز المستهدف.
لكن الخبير في هندسة الحاسوب وتقنية المعلومات زهير نموس يستبعد أن يكون انفجار الأجهزة خلال اليومين الماضيين عن طريق هجمة سيبرانية، لأن طريقة عمل الأجهزة التي انفجرت لا تحتاج إلى اتصال بالإنترنت ولا تعمل ضمن نظم الشبكات الجماعية، ومن ثم يصعب الوصول إليها عبر تثبيت برامج خبيثة تعمل في الخفاء ويتم التحكم فيها عن بعد.
وهذا الطرح يقترب من التفاصيل التي ذكرتها وسائل إعلام في لبنان نقلا عن مصادر أمنية، حيث كشفت عن أن أجهزة “البيجر” كانت مفخخة من مصدر استيرادها.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، قال نموس إن عملية الاختراق التي وقعت في أجهزة الاتصال المستخدمة من قبل عناصر حزب الله لم تكن “اختراقا سيبرانيا عن طريق برامج سوفت وير”، لكن الاختراق تم عبر إضافة قطعة إلى مكونات هذه الأجهزة، كمرحلة أولى إلى أن يتم التحكم في هذه القطعة بعد ذلك عن بعد.
وأضاف الخبير التقني أن هذه “الحيلة” بسيطة في طريقة عملها جدا وغير معقدة، وطلبة كليات الهندسة يتدربون على تصميم مثل هذه القطع الصغيرة لأداء أوامر معينة تتم برمجتها وتحويلها إلى حاسوب صغير، ويكون جاهزا لتنفيذ الأوامر التي تُطلب منه وحسب الطريقة التي صُمم بها، وهذا ما حدث مع أجهزة حزب الله.
ويلخص نموس فكرته بأن هناك اختراقا وقع لشحنة حزب الله في مرحلة ما من مراحل التسليم، بين المصدر وصولا للمستخدم العادي في الشارع، ويرجح أن يكون ذلك تم من خلال عنصر بشري عبر زرع جزء متفجر ومبرمج لتلقي أوامر عن بعد بواسطة رسائل مشفرة لينفذ الأمر الذي وُضع من أجله، وبدون أن تكشفه أجهزة الفحص.
إعلان حرب
وجاءت تفجيرات لبنان وسط دعوات في إسرائيل لشن حرب على حزب الله، وذلك بالتزامن مع تصاعد هجمات الحزب الصاروخية على “مستوطنات الشمال”، ومنها ما لم يسبق إخلاؤها من المستوطنين.
ومن هذه الدعوات ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل ستفعل ما يلزم لإعادة السكان شمالا وحماية أمنها، مضيفا أن إعادة السكان إلى الشمال لا يمكن من دون تغيير جذري في الوضع الأمني.
ومن ثم يرى الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني إبراهيم حيدر أن ما حصل في لبنان خلال اليومين الماضيين يمثل “إعلان حرب مباشرا وتنفيذ مجزرة غير مسبوقة في كل تاريخ الحروب”. مضيفا أن “الاختراق دليل على أن إسرائيل تريد توسيع دائرة الحرب، ابتداء من كشف دائرة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وهي العملية التي أثرت على كل لبنان وأصابت مدنيين”.
وأضاف حيدر -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن الهدف من التفجيرات يعد “محاولة لاستدراج حزب الله لرد واسع وشامل وغير تقليدي على إسرائيل، وبالتالي هي تريد أن تبرر لنفسها وللمجتمع الدولي أنها تتعرض لحرب، ومن ثم ستوسع دائرة عملياتها ضد الحزب”.
وفي ما يتعلق بقدرات حزب الله على الرد، أشار المحلل السياسي إلى “أن كل المؤشرات تشير إلى أن جبهة جنوب لبنان ذاهبة نحو تصعيد كبير، ولا أحد يستطيع تقدير إلى أين يمكن أن تصل الأمور”، مؤكدا “أن الحل الدبلوماسي بات مستبعدا ما دام الاحتلال مستمرا على أرض غزة، وبالتالي هذه الجبهة ستبقى مشتعلة”.
وختم حيدر بأن حزب الله لن يرد مباشرة على ما حدث، فلا بد أن يقيّم وضعه الداخلي وحجم الخسائر التي وقعت في صفوفه ومستوى الخرق الذي حصل في اتصالاته واحتمالات توسيع المعركة.
وأضاف أن الحزب يحتاج إلى ضرورة الاستمرار في عمليات المساندة للمقاومة، وأن يرد أمام جمهوره حفاظا على موقعه وما أعلنه من توازن الردع، وذلك بما يمتلكه من قدرات بشرية تعد أكبر من التي استخدمها حتى الآن.