خلال الهدنة القصيرة بين إسرائيل وحركة حماس المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، كان أشخاص يرتدون “سترات بيضاء ويقودون سيارات دفع رباعي” هم الذين رافقوا المختطفين الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين المفرج عنهم إلى بر الأمان، وهم رجال ونساء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فما هو تاريخ المنظمة الإنسانية الأقدم وما أبرز أدوارها؟ 

حرب غزة

قام أفراد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين ارتدوا ملابس باللونين الأحمر والأبيض، بتنسيق عملية نقل المختطفين من سيطرة مسلحي حماس إلى الأراضي الإسرائيلية، بالإضافة إلى إعادة السجناء الفلسطينيين من إسرائيل، وفق تقرير لشبكة “سي إن إن” الإخبارية.

وانهارت الهدنة بين إسرائيل وحماس بعد 7 أيام، واحتدم القتال مرة أخرى، مع تركيز القصف الإسرائيلي بشكل متزايد على جنوب غزة، حيث فر بالفعل مئات الآلاف من اللاجئين.

ورغم اعتبار الصليب الأحمر “وسيطا محايدا” بين إسرائيل وحماس، لكن في الأسبوع الماضي، اضطرت المنظمة إلى الدفاع عن نفسها ضد الانتقادات بأنها لا تفعل ما يكفي لمساعدة المختطفين الإسرائيليين المتبقين لدى حماس في غزة.

وقالت أم إسرائيلية، يُعتقد أن ابنها مختطف لدى حماس، إن الصليب الأحمر قام “بعمل رائع من خلال توفير خدمة أوبر  للرهائن الذين تم إطلاق سراحهم”، لكنه لم يفعل شيئًا لأولئك الذين ما زالوا مختطفين.

لكن على جانب آخر، قالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولجاريك، في حديثها لبرنامج Newshour التابع لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إن الانتقادات الموجهة لدور الصليب الأحمر “غير عادلة إلى حد كبير، وخاطئة”.

وفي سياق متصل، قال روبرت مارديني، المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر، لشبكة “سي إن إن”، إن هناك “حدودا لما يمكن أن يفعله العاملون في المجال الإنساني”.

وأضاف:” موظفينا والمتطوعين لدينا جميعهم في خط النار”.

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس بعد هجوم مباغت شنته الحركة على مواقع عسكرية ومناطق سكنية محاذية لقطاع غزة، أدى إلى مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون وبينهم نساء وأطفال، وتم اختطاف 239 شخصا، وفق السلطات الإسرائيلية.

وردت إسرائيل بقصف جوي وبحري وبري مكثف على القطاع المحاصر، أتبعته بعملية برية، توقفت مؤقتا مع بدء الهدنة، قبل انهيارها.

وفي غزة قتل 17700 شخص، معظمهم نساء وأطفال، منذ بدء الحرب، وأصيب 48780، مع وجود آلاف آخرين في عداد المفقودين ويعتقد أنهم لقوا حتفهم تحت الأنقاض، بحسب ما أعلنته وزارة الصحة التابعة لحماس، السبت.

الاستقلالية والحيادية والنزاهة

يوضح خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي الهيئة الوحيدة في العالم التي حازت على جائزة نوبل للسلام 3 مرات، نظرا للدور الهائل غير المسبوق الذي تقوم به منذ نشأتها.

ويؤكد سلامة لموقع “الحرة” أن أطراف النزاعات المسلحة “الدولية أو غير الدولية” لم يرفضوا تقريبا عمل وتواجد المنظمة طوال فترة عملها بأي نزاع.

وعدد المرات التي رفض فيها عمل الهيئة “لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة”، حسبما يوضح سلامة المشارك في تحديثات اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص أسرى الحرب.

أدوار اللجنة 

وتوجه اللجنة الدولية وتنسق أنشطة الإغاثة الدولية التي تنفذها الحركة في حالات النزاع. وتسعى جاهدة أيضا إلى تفادي المعاناة بنشر وتعزيز القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية العالمية، بحسب ما تقول على موقعها الرسمي. 

أسند المجتمع الدولي إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر مهمة زيارة أسرى الحرب والمعتقلين المدنيين الذين أوقفوا خلال النزاعات المسلحة، بموجب اتفاقيات جنيف

وتهدف من خلال زياراتها إلى السجون إلى التأكد من أن المحتجزين يعاملون بكرامة وإنسانية وفقا للقواعد والمعايير الدولية، والتعاون مع السلطات لمنع التجاوزات وتحسين ظروف الاحتجاز.

وتعمل على إيجاد المفقودين، وتبادل الرسائل العائلية، ولم شمل العائلات، والسعي إلى كشف مصير الأشخاص المفقودين.

وتسعى إلى نشر المعرفة بالقانون الدولي الإنساني والتوعية بالاحتياجات الإنسانية للمتأثرين بالنزاعات المسلحة والعنف.

وتساند الهاربون والمهاجرون والفارون خلال رحلتهم من خلال نشاطاتنا في الإغاثة والحماية.

وتلعب دورا في ترسيخ احترام القانون، تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، الإغاثة الطبية، والتصدي للعنف الجنسي.

وتعتمد مصداقية اللجنة الدولية للصليب الأحمر على “استقلالها وحيادها وعدم تحيزها لأي من أطرف النزاع المسلح”، حسبما يوضح خبير القانون الدولي.

ويشير إلى أن “التاريخ الطويل والخبرات المتراكمة للجنة في تقديم المساعدات الإنسانية أثناء النزاعات المسلحة وحالات الطوارئ الأخرى قد اكسبها سمعة طيبة فيما يتعلق بالمصداقية”.

ويؤكد أن مصداقية اللجنة “أمر ضروري” حتى تتمكن من الاطلاع بمهامها، وإذا لم تتمتع بتلك المصداقية فلن تستطيع الوصول لجميع أطراف النزاع المسلح وتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين.

واللجنة “محايدة” وتقدم المساعدة الإنسانية على أساس “الحاجة” دون تمييز على أساس عرقي أو ديني أو جنسي أو سياسي أو أي عامل أخر، وفق حديثه.

ويشدد على أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر “منظمة إنسانية مستقلة ومحايدة، لا تنتمي لأي حكومة أو حزب سياسي ما يتيح لها العمل بنزاهة والحفاظ على ثقة جميع أطراف النزاع”.

ويشير إلى أن استقلال اللجنة مهم ويسمح لها بـ”انتقاد كافة أطراف النزاع، بسبب انتهاكها القانون الدولي الإنساني”.

وتستند الانتقادات في كثير من الأحيان إلى “أدلة مباشرة دامغة يجمعها موظفوها على الأرض”، حسبما يلفت سلامة.

تاريخ طويل على “خط النار”

البقاء في خط النار هو أمر واجهه متطوعو الصليب الأحمر على مدار الـ 160 عاما الماضية.

ومنذ نشأتها عام 1863، كان هدف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوحيد هو حماية ضحايا النزاعات المسلحة والاضطرابات ومساعدتهم، وذلك عن طريق عملها المباشر عبر أنحاء العالم، وكذلك من خلال تشجيع تطوير القانون الدولي الإنساني وتعزيز احترامه من قِبَل الحكومات وجميع حاملي السلاح، وفق “الموقع الرسمي للمنظمة”.

يقوم عمل اللجنة الدولية على اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، وهي منظمة مستقلة ومحايدة تضمن الحماية والمساعدة في المجال الإنساني لضحايا النـزاعات المسلحة وحالات العنف الأخرى. 

وتعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أقدم المنظمات الإنسانية وأكثرها تكريما في العالم، وهي حائزة على جائزة نوبل للسلام ثلاث مرات، خلال الحربين العالميتين وفي الذكرى المئوية لتأسيسها.

وتعمل اللجنة في أكثر من 100 بلد، حيث تدعم نحو 80 مليون شخص من المتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات العالمية الأخرى من خلال شبكة إنسانية. 

وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة، تنفذ اللجنة الدولية عملها الإنساني تحت مسمى “الهلال الأحمر”.

وكان الهلال الأحمر التركي أول من اعتمد هذا الرمز، والذي تأسس في عهد الإمبراطورية العثمانية عام 1868.

وتأسست جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني رسميا في عام 1968، وكان دورها في البداية “مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الأردن”.

وفي الوقت الحالي، تمثل جمعية الهلال الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وغزة وخارج الأراضي الفلسطينية، وفي عام 2006، تم قبولها كعضو كامل العضوية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

على مدار القرن ونصف القرن التاليين، كانت مجموعات “الصليب والهلال الأحمر” حاضرة في كل صراع تقريبا، وتحتوي أرشيفات المجموعة الخاصة بالحرب العالمية الأولى وحدها على تفاصيل عن أكثر من مليوني أسير حرب.

وتعد الاستجابة للكوارث الطبيعية عنصرا رئيسيا آخر في عمل لجنة الصليب الأحمر، لكن عمليات تبادل الرهائن والأسرى غالبا ما تكون أكثر اللحظات المشحونة سياسيا بالنسبة للمنظمة، حسبما تشير “سي إن إن”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version