فمع وصول جوزيف عون إلى سدّة الرئاسة وتكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة، يلوح في الأفق فصل جديد قد يعيد رسم خارطة التحالفات، ويضع حزب الله أمام اختبار وجودي هو الأصعب منذ دخوله الحياة السياسية اللبنانية.
بداية العهد.. رسائل داخلية وخارجية قوية
منذ لحظة انتخابه، بدا أن الرئيس جوزيف عون يحمل رؤية مغايرة تمامًا للعهد السابق، واضعًا نصب عينيه مشروع بناء دولة قوية تستند إلى القانون والمؤسسات، بعيدًا عن سيطرة السلاح والفردية التي تحكمت في القرارات السياسية.
وفي خطاب القسم، حملت كلماته إشارات واضحة إلى ضرورة بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، مع التشديد على تطبيق القرار الدولي 1701.
ومن بين أبرز رسائله كانت تلك التي وجّهها بشكل غير مباشر إلى حزب الله، عندما قال: “إذا كانت الدولة هي الحامي الوحيد، تنتفي الحاجة إلى أي مقاومة خارج إطارها”.
هذا الخطاب أثار ردود فعل متباينة، لكنه عكس بوضوح ملامح عهد جديد يتحدى الهيمنة التقليدية لحزب الله في الشأن السياسي والأمني.
تكليف سلام ضربة للنمط التقليدي
جاء تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة بمثابة خطوة جديدة تزعزع الركائز التقليدية التي اعتاد حزب الله وحلفاؤه التحكم من خلالها بمفاصل السلطة.
سلام، المعروف بمواقفه الإصلاحية وعلاقاته الدولية، يُعدّ خيارًا صعب التقبل بالنسبة لثنائي حزب الله وحركة أمل، خصوصًا مع تلميحه إلى تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدًا عن المحاصصة السياسية التقليدية.
وفقًا للباحث في العلاقات الدولية علي شكر، فإن هذه الخطوة تشير إلى تغيير جذري في النمط السياسي اللبناني. ويقول شكر خلال حواره لبرنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية: “إن مشروع نواف سلام يمثل خروجًا عن نادي رؤساء الحكومات السابقين. هو انطلاقة جديدة تستند إلى رؤية مختلفة لبناء حكومة تعمل بعيدًا عن هيمنة القوى السياسية التقليدية”.
حزب الله.. بين التكيّف والمواجهة
في مواجهة هذا التحول، يجد حزب الله نفسه أمام مفترق طرق. فمع تصاعد الخطاب الذي يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة، وتلميحات الرئيس المكلف إلى تشكيل حكومة غير سياسية، يخسر الحزب تدريجيًا أوراقه التقليدية التي لطالما وظّفها لتعزيز نفوذه.
لكن علي شكر يرى أن الحزب لا يزال في طور استيعاب هذه التحولات، حيث يقول: “حتى الآن، مواقف حزب الله وحركة أمل لا تزال ضمن النطاق الطبيعي للمرحلة الانتقالية. هناك محاولات للتكيف مع الوضع الجديد، دون الانزلاق إلى صدام مباشر”.
تحديات السلام.. هل يتحقق التغيير؟
من الواضح أن المهمة التي تواجهها الحكومة الجديدة ليست سهلة. فسلام يواجه تحديات كبيرة، أبرزها كيفية تشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلعات الشعب اللبناني، وفي الوقت نفسه تفادي أي تصعيد سياسي أو أمني من قبل حزب الله وحلفائه.
وفي هذا السياق، يشير شكر إلى أهمية إيجاد توازن بين مشروع الدولة ومتطلبات الاستقرار، قائلاً: “ربما نرى تسوية تشمل تمثيلًا جزئيًا للقوى السياسية، بما في ذلك حزب الله، ضمن إطار يحترم سيادة الدولة ويحد من هيمنة السلاح”.
السلاح في قلب المشهد السياسي
منذ عقود، شكّل السلاح عنصرًا أساسيًا في المعادلة اللبنانية، وكان حزب الله أبرز اللاعبين الذين استفادوا من غياب الدولة القوية لفرض حضوره. إلا أن خطاب الرئيس جوزيف عون الأخير أعاد تسليط الضوء على هذه المسألة، مذكرًا بأن قوة الجيش هي البديل الوحيد الذي يمكن أن يحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية.
ويقول شكر: “إذا تمكنت الدولة من تعزيز الجيش وتسليحه، فلن يكون هناك حاجة للمقاومة. هذه معادلة منطقية قد تحظى بقبول داخلي ودولي”.
إلى أين يتجه لبنان؟
مع هذه التطورات، يبدو لبنان على أعتاب مرحلة تاريخية حاسمة. مصير حزب الله لم يعد مسألة داخلية فقط، بل بات محور اهتمام دولي وإقليمي.
فبينما يدعو الرئيس إلى بناء دولة قوية تعتمد على مؤسساتها، يبقى السؤال: هل يستطيع الحزب أن يكيف نفسه مع هذه التحولات، أم أنه سيقاوم التغيير بكل الوسائل؟
الأيام القادمة ستحمل الإجابة، لكن المؤكد أن لبنان يعيش زلزالًا سياسيًا يهدد بإعادة تشكيل هويته السياسية، في وقت يواجه فيه تحديات اقتصادية واجتماعية خانقة.