يسعى الشاب الروسي، دميتري سيتي، جاهدا للحفاظ على استمرارية عمليات ونفوذ مجموعة فاغنر بعدة دول أفريقية، بعد رحيل زعيمها، يفغيني بريغوجين، في أغسطس الماضي.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أنه منذ وفاة بريغوجين، في حادث تحطم طائرة، تم الدفع بسيتي إلى “قلب معركة جديدة” تتعلق بمآلات إمبراطورية فاغنر المترامية الأطراف في أفريقيا.
وتحول الشاب البالغ 34 عاما الذي تخرج من كلية لإدارة الأعمال بباريس، إلى قائد فعلي لأنشطة فاغنر التي تقدر بمليارات الدولارات في الدول الأفريقية.
وأوضحت الصحيفة أنه من خلال معرفته الوثيقة بشركات الواجهة التابعة لفاغنر وشبكات التهريب، من المرجح أن يلعب سيتي الذي يتحدث عدة لغات دورا محوريا في عمل المجموعة في أفريقيا.
من يكون سيتي؟
ولد سيتي الحامل للجنسية الروسية في العاصمة البيلاروسية مينسك عام 1989، ودرس التجارة الدولية في جامعة سانت بطرسبرغ، قبل أن ينتقل إلى فرنسا لاستكمال دراساته العليا، حيث حاز على درجة الماجستير في التسويق والأعمال من إحدى الكليات بباريس.
وكتب سيتي في سيرته الذاتية التي نشرها عام 2015 على الإنترنت: “أنا مهتم للغاية بالعمل في شركة دولية في مجال التكنولوجيا الفائقة والتي من شأنها أن تتحدى مهاراتي وكفاءاتي بمهام مثيرة”.
ووفقا لوزارة الخزانة الأميركية، عمل سيتي، بعد تخرجه، مع وكالة رقمية، مقرها سانت بطرسبرغ وتابعة لبريغوجين، وتمثلت أدوارها الأساسية في تنظيم حملات دعائية من خلال توظيف الذباب الإلكتروني والحسابات المزيفة للتأثير في الرأي العام، واتُّهمت الشركة بمحاولة التأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.
وفي عام 2017، ترك سيتي وراءه إبناً وزوجة سابقة في فرنسا، وكان من أوائل مسؤولي فاغنر الواصلين إلى أفريقيا الوسطى، حيث عمل كمترجم فوري للمنقبين الباحثين عن فرص التعدين نيابة عن شركة “إم إنفست” التابعة لبريغوجين، إضافة إلى عمله في الترجمة لصالح عدد من مرتزقة فاغنر الذين تم تقديمهم كمدربين عسكريين غير مسلحين.
وفي غضون أشهر من حلوله بالبلاد، ساعد سيتي في تأسيس أول شركة تابعة لفاغنر في أفريقيا الوسطى، وهي “Lobaye Invest”، التي حصلت على إذن لبدء التنقيب عن الذهب والماس.
ووفقا للاتحاد الأوروبي، قامت شركة “لوباي” الخاضعة لعقوبات أميركية وأوروبية، بتمويل محطة إذاعية جديدة مؤيدة لروسيا ومعادية للغرب، وتقوم بتسويق الفودكا والبيرة التي تنتجها شركة فاغنر لمواطني أفريقيا الوسطى.
وبعدها بسنوات قليلة، عُيّن سيتي مديرا لـ”البيت الروسي” (المركز الثقافي الروسي) في العاصمة بانغي، وهي مؤسسة تهدف إلى “تعزيز القيم الثقافية الروسية في الدولة الواقعة في وسط أفريقيا.
وكشفت المسؤولة البارزة في منظمة “The Sentry” الأميركية غير الربحية، التي ترصد أنشطة فاغنر، ناتاليا دوخان، لشبكة “سي إن إن”، أن “(البيت الروسي) في بانغي، هو بمثابة محور جميع أنشطة فاغنر في أفريقيا الوسطى”.
وتقول المنظمة الأميركية إن “البيت الروسي يعتبر مركزا لعمليات مرتبطة بأنشطة فاغنر التجارية، مثل بيع الذهب والماس، وأنشطة ترفيهية للشخصيات المهمة”، حسبما نقلته “سي إن إن”.
كما ينظم المركز فعاليات، تسعى لنشر الثقافة الروسية، والترويج للتصورات المؤيدة لموسكو فيما يتعلق بالعلاقات الدولية.
محاولة اغتيال
وفي ديسمبر الماضي، اتهم رئيس مجموعة فاغنر الروسية فرنسا بمحاولة اغتيال رئيس مكتب تمثيل روسي في جمهورية أفريقيا الوسطى الذي أصيب إصابات بالغة بعد فتحه طردا مفخخا، وفقا لرويترز.
ونقلت وكالة نوفوستي الروسية للأنباء عن السفارة الروسية قولها حينها إن “ديمتري سيتي، رئيس البيت الروسي، نقل إلى مستشفى في العاصمة بانغي (…) وكانت حالته خطيرة لكنها مستقرة”.
واتهم بريغوجين فرنسا بالهجوم على سيتي.
وقالت وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إن المزاعم كاذبة.
وأضافت للصحفيين أثناء زيارة إلى المغرب إنها “مثال جيد للدعاية الروسية والخيال الجامح الذي يميز أحيانا هذه الدعاية”.
وتساعد فاغنر جيش جمهورية أفريقيا الوسطى منذ عام 2018 لكنها جذبت اهتماما أوسع بسبب دورها في الحرب الروسية في أوكرانيا، وفقا لرويترز.
وفرنسا هي المستعمر السابق لجمهورية أفريقيا الوسطى الغنية بالذهب والألماس والتي يبلغ عدد سكانها 4.7 مليون نسمة وتقاتل حكومتها عددا من الحركات المتمردة. ومنذ عام 2018، حصلت الحكومة على دعم من مئات العملاء الروس، كثير منهم يعمل لدى فاغنر.
وقال بريغوجين في بيان على تيليغرام حينها “تمكن ديمتري سيتي قبل أن يفقد وعيه من قول: رأيت رسالة تقول هذا لكم من جميع الفرنسيين. الروس سيخرجون من أفريقيا”.
ولم يوضح بريغوجين كيف بلغه ما تحدث به سيتي.
وقال إنه طلب من وزارة خارجية روسيا الاتحادية بدء إجراءات لإعلان فرنسا دولة راعية للإرهاب.
وقالت الوزارة إن هذا العمل يستهدف “النيل من … العلاقات الودية” بين روسيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. ونقلت وكالة نوفوستي عن مصدر رفيع المستوى في جمهورية أفريقيا الوسطى لم تذكر اسمه قوله إن بلاده ستتعاون مع روسيا في التحقيق.
واتهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، روسيا بإذكاء دعاية مناهضة لفرنسا في أفريقيا لخدمة طموحات “افتراسية” في القارة التي عانت فيها فرنسا من انتكاسات عسكرية وفقدان نفوذ أوسع خلال السنوات القليلة الماضية.
ووصف بريغوجين سيتي بأنه “وطني ينتمي إلى روسيا وجمهورية أفريقيا الوسطى”.
شبكة علاقات ونفوذ كبير
وتوسعت مجموعة فاغنر في أفريقيا بداية عام 2017، وتحديدا في ليبيا والسودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وتعمل مجموعة فاغنر في أفريقيا الوسطى منذ عام 2018، لحماية الرئيس وتدريب قوات الجيش، وحصلت بموجب ذلك على سلسلة امتيازات مهمة في مجال التعدين، للتنقيب عن الذهب والماس.
وتمكن سيتي من نسج شبكة علاقات واسعة مع قادة سياسيين نافذين في الدولة التي تعد المركز الرئيسي لأنشطة وعمليات فاغنر الاقتصادية في أفريقيا، وفقا لوول ستريت جورنال.
وبحسب المصدر ذاته، فإن سيتي يعيش ويعمل في فيلا فاخرة كانت في السابق المقر الرسمي للرئيس، ويحيط بها معسكر للجيش يحتله مقاتلو فاغنر، بالعاصمة بانغي.
ويتنقل سيتي في شوارع المدينة المزدحمة في سيارة “تويوتا” بين المطاعم الراقية وللقاء كبار المسؤولين الحكوميين، كما أنه يسافر بانتظام إلى البلدان المجاورة مثل الكاميرون وتشاد.
وتربط سيتي علاقات صداقة وثيقة بالوزير، حسن بويا، زعيم المتمردين السابق والذي أدار مقاتلوه مهام قتالية سابقة إلى جانب مجموعة فاغنر، بالإضافة إلى المستشار الأمني للرئيس، فيديل غواندجيكا، الذي وصف سيتي بأنه ” أحد “أصدقائه المقربين جدا”، في حديثه للصحيفة.
وأشارت الصحيفة إلى أن سيتي ساهم بشكل فعال في إدارة عدد من مشاريع فاغنر التجارية والدعائية في أفريقيا على مدار السنوات الماضية.
وقال أشخاص مطلعون على العمليات التجارية لفاغنر إن الشاب الروسي يشرف على شبكة من “شركات الواجهة” التي استخدمتها المجموعة لتصدير الذهب والماس والخشب والمواد الخام الأخرى من جمهورية أفريقيا الوسطى.
وقالت المصادر ذاتها إن سيتي يدير أيضا وسائل الإعلام التي تمولها فاغنر وحملات دعائية على وسائط التواصل الاجتماعي، مناهضة للغرب وداعمة للقادة الأفارقة من حلفاء موسكو.
وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية سيتي على لائحتها السوداء، مشيرة إلى أنه بالنظر لموقعه المؤثر في البلاد ودوره القيادي في مجموعة فاغنر، فهو “مسؤول عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها مجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى”.
وفي الأسابيع التي تلت وفاة بريغوجين، أبلغ رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فوستين آركانج تواديرا، موسكو أنه يريد بقاء سيتي وغيره من عملاء فاغنر القدامى في البلاد، بحجة أن إزاحتهم من شأنها أن تعطل جهود حكومته لمحاربة الجماعات المتمردة، وفقًا لما ذكره مسؤول سابق ومسؤولي الأمن الأوروبيين الحاليين.
وفي مقابلة أجريت معه في وقت سابق من هذا الشهر مع صحيفة برافدا الروسية، قال سيتي إنه “سيواصل العمل لصالح روسيا”.
وعندما سأله أحد المراسلين عن وفاة بريغوجين، أجاب: “نحن بحاجة إلى مواصلة العمل وعدم فقدان الشجاعة”.
وفي الأسابيع التي تلت وفاة بريغوجين، عمل سيتي جاهدا من أجل الحفاظ على إرث بريغوجين في القارة، وفقًا لشريك تجاري في فاغنر ومسؤول أمني أوروبي، اللذين كشفا قيامه بزيارات إلى مناطق مختلفة بأفريقيا.
وفيما يبقى من غير الواضح ما إذا كانت “مملكة فاغنر الأفريقية” قادرة على الحفاظ على نفوذها في الدول الأفريقية وأيضا مدى قدرة سيتي على الحفاظ على سلطاته، تلفت الصحيفة إلى أن القائد الجديد “يفتقر” إلى نفس صلات بريغوجين بالكرملين، والتي فتحت أمام فاغنر الأبواب لإقامة علاقات مع القادة الأفارقة.
ولم ترد شركة سيتي على طلبات التعليق من الصحيفة، ونفس الأمر بالنسبة لشركة “كونكورد القابضة” المملوكة لبريغوجين.
وقال متحدث باسم الكرملين إنه لا يستطيع التعليق على أنشطة الشركات الخاصة في أفريقيا، موضحا أن للحكومة الروسية برامج تعاون مع العديد من دول القارة.