القاهرة ـ مع تصاعد عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، تردد اسم معبر رفح الحدودي مع مصر كمرر إنساني وحيد للمدنيين، في حين يتحدث سياسيون وإعلاميون مصريون حول توجس مصري من محاولة تصفية القضية الفلسطينية عبر نقل سكان قطاع غزة إلى سيناء.
ووصف دبلوماسيون ومحللون سياسيون -تحدثوا للجزيرة نت- الموقف المصري مما يجري في قطاع غزة بأنه “حساس ومعقد ومرتبط بضوابط وحسابات الأمن القومي والعربي”.
وأعلنت الرئاسة المصرية -اليوم الأحد- أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ترأس اجتماعا لمجلس الأمن القومي بشأن التصعيد العسكري في غزة، وأن المجلس شدد على رفض واستهجان سياسة التهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وأن أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته.
كما أكد البيان الذي نشره المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، وأن مصر تواصل الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين، كما تكثف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية من أجل إيصال المساعدات المطلوبة، ووجهت القاهرة دعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية.
المساعدات وبقاء سكان غزة
يأتي ذلك بعدما ذكرت وسائل إعلام مصرية -أمس السبت- أن القاهرة رفضت عبور رعايا أجانب معبر رفح من قطاع غزة، واشترطت تزامن ذلك مع السماح بدخول مساعدات إغاثية إلى القطاع.
واصطفت عشرات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والتبرعات المقدمة للفلسطينيين، كما وصلت مساعدات من دول عربية وإسلامية إلى مطار العريش تمهيدا لدخول قطاع غزة، في حين أنشأ الجيش المصري جدارا أسمنتيا عازلا بطول الحدود، كما أظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون على مواقع التواصل تقاطر آليات عسكرية باتجاه مدينة رفح المصرية.
وخلال حفل عسكري -الخميس الماضي- شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ضرورة أن يبقى أهالي غزة “صامدين وموجودين على أراضيهم”، مؤكدا أن هناك مخاطر تهدد بتصفية القضية الفلسطينية، ودعا طرفي الصراع للعودة فورا للمسار التفاوضي وضبط النفس، مؤكدا أن الأمن القومي لبلاده هو “مسؤوليته الأساسية”.
يأتي ذلك في الوقت الذي قالت فيه القناة الـ12 الإسرائيلية -أمس السبت- إن العلاقات بين مصر وإسرائيل وصلت إلى نقطة حرجة في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، وإن تدهور العلاقات قد يتطور نتيجة التصريحات الإسرائيلية غير المسؤولة بمغادرة أهالي غزة إلى مصر، ونشر معلومات غير واضحة بأن مصر حذرت إسرائيل من عملية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وأردفت القناة أن تفضيل إسرائيل لوسيط عربي آخر غير مصر قد يسهم بتدهور العلاقات بين الطرفين، لا سيما مع تدهور الوضع الإنساني في غزة الذي قد يضغط على القاهرة لاتخاذ خطوات ضد إسرائيل.
بصيص أمل
في هذا السياق، أعرب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي عن أمله أن يحقق الجهد المصري الدور المطلوب، بأن “يضيء بصيص أمل للفلسطينيين في غزة.. فكل الخدمات منقطعة وهو شيء لا إنساني”، وفق تعبيره.
ولفت الدبلوماسي المصري إلى أن هناك استهدافا للصحفيين من الجزيرة ورويترز، وهو أمر بلا تفسير ولا تبرير، حيث إن استمرار العنف كارثة إنسانية لا يمكن تحملها.
وأشار زكي -في تصريحات صحفية ومتلفزة- إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يستمع اليوم في مصر إلى ما يجب أن يسمعه، مؤكدا أن المواقف العربية تصب في نفس الاتجاه وهو ما يعزز الموقف الفلسطيني.
من جهته، رأى السفير رخا أحمد حسن مساعد وزير الخارجية المصري سابقا، أن مصر تتعامل مع التطورات بحساسية شديدة، فهي ترى ضرورة إنهاء الاحتلال باعتباره أمرا غير مشروع، في حين أن مقاومة المحتل تبقى أمرا يكفله القانون الدولي.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر السفير السابق أن عملية طوفان الأقصى “رسالة تحذير قوي لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة”، وتأكيدا على أن الرهان على القوة وحدها لن يحقق الأمن لإسرائيل.
جهود في محاور عدة
من ناحيته، ثمّن السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري سابقا، دور القاهرة في التعامل مع مجمل التطورات.
وفي حديثه للجزيرة نت، أعرب الأشعل عن توقعاته بألا تنجح مساعي مصر لتحقيق التهدئة هذه المرة، موضحا أن إسرائيل -بعد أن نجحت المقاومة في كسر هيبتها- صارت ثورا هائجا يصعب احتواؤه، ولن تقبل بتهدئة كالسابق في ظل دعم غربي هائل لها.
ويعتقد الأشعل أن عملية “طوفان الأقصى” أسعدت -إلى جانب الشعوب العربية والإسلامية- أنظمة إقليمية كانت تعاني من غطرسة حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، وإن كان الأمر قد بقي أسير الغرف المغلقة، خصوصا في دول الجوار، بحسب وصفه.
بدوره، قال المحلل السياسي وأستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة الإسكندرية أحمد فؤاد أنور، إن القاهرة تبذل جهودا كبيرة لتجنيب مواطني غزة دفع فاتورة المواجهة الحالية، وتهدف بذلك الوصول للتهدئة ومنع انجرار الأمر إلى اجتياح بري إسرائيلي لغزة، معتبرا في تصريحات للجزيرة أن هذا السيناريو “قد يجر المنطقة لفوضى ترفضها مصر، لا سيما أن هناك قناعة مصرية بعدم امتلاك إسرائيل خطة لليوم التالي حال سيطرت على غزة”.
ويرى الأكاديمي المصري أن جهود بلاده مستمرة في محاور عدة، أهمها تكثيف الاتصالات مع قوى إقليمية مثل السعودية وقطر وتركيا والأردن ودول أوروبا، لتخفيف التوتر والوصول لتهدئة دائمة، تضمن السيطرة على الوضع.
رفض التهجير
وبشأن التصريحات الإسرائيلية وبعض الأصوات الغربية التي تتحدث عن نقل دائم أو مؤقت لسكان قطاع غزة إلى سيناء، أكد السفير رخا أحمد حسن موقف مصر الواضح والرافض لفكرة توطين الفلسطينيين في سيناء، مهما كانت الضغوط الإسرائيلية والغربية، وقال إنها تعني تصفية القضية الفلسطينية.
بينما ينظر السفير عبد الله الأشعل بتقدير لرفض مصر الحاسم لسيناريو توطين أهالي غزة في سيناء، مهما كانت الإغراءات، مشيرا إلى أنها نجحت في إيجاد مناخ أممي رافض لهذا السيناريو.
أما أحمد فؤاد أنور، فيرى أن موقف مصر تحكمه خطوط حمراء، تتمثل في رفض داخلي لأي توطين للفلسطينيين في سيناء، مضيفا “هذا الأمر عرض على مصر كثيرا، مقابل إغراءات شتى، ورفضته جملة وتفصيلا، بدون تردد” وفق تعبيره.
إدخال المساعدات
وفي سياق الجهود المصرية لإدخال المساعدات الإغاثية لسكان قطاع غزة، لفت السفير رخا إلى أن جهود مصر مستمرة بالتنسيق مع عشرات الدول لتأمين وصول المساعدات الإنسانية لغزة، وتواصل القاهرة اتصالاتها بكل الوسائل لمنع كارثة إنسانية.
بدوره أوضح الأشعل أن هناك إصرارا على إدخال المعونات الإنسانية للقطاع، ونجحت مصر في إيجاد اصطفاف دولي لتأمين دخولها، بعد تفاهمات مع الأميركيين وإسرائيل لتأمين دخول الأسرى الأجانب من قطاع غزة، مقابل ضمان ممر آمن لدخول المساعدات لغزة، رفضته إسرائيل في البداية، حتى تنجح في مخططها لإبادة غزة، والقضاء على المقاومة لو سنحت لها الفرصة.
من جهته، قال الأكاديمي أحمد فؤاد أنور إن مصر تجري اتصالات ومفاوضات مع الجانب الأميركي لإنشاء ممر آمن لدخول المساعدات الإنسانية، ومنع إسرائيل من قصف الجانب الفلسطيني من معبر رفح مجددا.