تشهد الساحة الإعلامية والثقافية جدلا حادا موضوعه الكاتب الفرانكوفوني الجزائري كمال داود الذي يعيش بفرنسا وحصل هناك قبل أسابيع على أرفع جائزة أدبية عن رواية بعنوان “حوريات” التي تدور حول سنوات “العشرية السوداء” في الجزائر.
وتحكي “حوريات”، الصادرة عن دار “غاليمار” والفائزة مؤخرا بجائزة “غونكور” الأدبية العريقة، قصة شابة جزائرية تدعى “فجر” نجت بأعجوبة من مجزرة غرب البلاد عام 1999، وتنقل تفاصيل تلك الواقعة من خلال “مونولوغ” بين الشابة وجنين في بطنها.
الرواية لاقت نجاحا في فرنسا ونجح كاتبها، كمال داود الذي حصل على الجنسية الفرنسية قبل نحو أربع سنوات بقرار رئاسي، من انتزاع الجائزة المرموقة بعد حصوله على ستة من أصوات أعضاء أكاديمية غونكور العشرة.
وفي الجزائر، أثارت “حوريات” الجدل حتى قبل حصولها على الجائزة، وذلك لحديثها عن فترة حساسة من تاريخ هذا البلد المغاربي، والمعروفة شعبيا باسم “العشرية السوداء”.
ويقصد بالعشرية السوداء الأحداث التي عاشتها البلاد بين 1992 و2002 إثر وقف الجيش للعملية السياسية ما تسبب حينها في حرب أهلية بين مسلحين من الجماعات الإسلامية وقوات الأمن، خلفت وفق تقديرات عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين.
أما الكاتب كمال داود، (54 عاما) فقد ولد في مستغانم الجزائرية عام 1970، ويعد من أبرز الكتاب الفرنكوفونيين المعاصرين، وسبق لروايته “ميرسو تحقيق مضاد” الصادرة عام 2013 أن رُشحت لجائزة غونكور عاما بعد صدورها.
كما يعد داود أيضا واحدا من الكتاب المثيرين للجدل في بلاده، وذلك لكتاباته التي يحاول فيها التطرق لمواضيع تعتبر حساسة في الذاكرة الجماعية الجزائرية، وأيضا لمواقفه المؤيدة لليمين الفرنسي.
أصل الجدل
والجدل المثار حول “حوريات” لا يربط فقط بتركيز فصولها على سرد جزء من “العشرية السوداء”، بل باتهامات وجهت لكاتبها بسرد قصة حقيقية لسيدة جزائرية تدعى سعادة عربان.
وظهرت هذه السيدة في قناة تلفزيونية محلية مؤخرا تتهم الكاتب باستغلال قصتها الشخصية دون إذنها، كما اتهمت زوجته، الطبيبة النفسية، بإفشاء السر المهني.
وقالت سعادة، إنها لجأت للعلاج عند زوجة الكاتب منذ عام 2015، مفيدة بأنها حكت تفاصيل حياتها المؤلمة للطبيبة كجزء من العلاج غير أنها لم تكن تتوقع أن تصبح تفاصيل حياتها الخاصة موضوع رواية منشورة للعموم.
كما أكدت سعادة، أنها رفضت خلال لقاء جمعها بالطبيبة وبالكاتب كمال داود في منزلهما طلبهما بالموافقة على تحويل قصتها إلى عمل أدبي.
وتابعت “لم أرخص لكمال داود ليستلهم قصتي في روايته (…) زوجة كمال داود أفشت سرا طبيا”.
وعن سؤالها كيف لها أن تعرف إن كانت رواية “حوريات” عنها، أجابت سعادة “الرواية تحدثت عن ندبتي عن أنبوب التنفس الذي يلازمني، الأوشام، صالون التجميل، علاقتي بأمي، العملية التي كنت سأجريها بفرنسا والتي كانت ستكون الأولى من نوعها في فرنسا، لقد تحدث عن جميع تفاصيل حياتي التي لم أخبر بها سوى زوجته الطبيبة النفسية”.
القضية تصل القضاء
والخميس، قالت فاطمة بن براهم محامية سعادة، في تصريحات صحفية إنها رفعت قضيتين ضد الكاتب الجزائري الفرنسي كمال داود وزوجته الطبيبة النفسية.
ورفعت الأولى باسم “المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب”، بينما رفعت الثانية باسم الضحية، بحسب ما أكدته بن براهم في تصريح لـ”فرنس برس”.
وأوضحت أن القضية وصلت القضاء مباشرة بعد صدور الرواية في شهر أغسطس/آب الماضي، وبأن المدعين لم ينتظروا فوز الكتاب بجائزة غونكور لطرق أبواب العدالة.
وأوضحت فاطمة بن براهم “تقدمنا بالشكويين أمام محكمة وهران، مكان إقامة كمال داود وزوجته، بعد أيام من صدور الكتاب، لكننا لم نرد الحديث عنهما حتى لا يقال إننا نشوش على ترشيح الكاتب للجائزة”.
في المقابل، لم يعلق كمال داود حتى الآن على اتهامات سعادة، لكن دار “غاليمار” الناشرة لأعماله استنكرت مؤخرا ما قالت إنه “حملات تشهير عنيفة مدبرة من النظام الجزائري”.
وأضافت “غاليمار” أنه “في حين أن رواية +حوريات+ مستوحاة من أحداث مأساوية وقعت في الجزائر خلال الحرب الأهلية في التسعينيات، إلا أن حبكتها وشخصياتها وبطلتها خيالية بحتة”.
وسبق للسلطات الجزائرية أن منعت مطلع الشهر الجاري مشاركة “غاليمار” في معرض الجزائر الدولي للكتاب دون ذكر الأسباب، بينما تأسف كمال داود على ذلك بالقول “كتابي يُقرأ في الجزائر لأنه مقرصن. لكن لم يُنشر فيها للأسف”.
وإلى جانب تهمة “استغلال” قصة سعادة عربان، يتابع كمال داود أيضا وفق قانون “الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية” الذي سنه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (1999- 2019)، وخاصة بعض مواده التي تحظر التطرق للعشرية السوداء.
وجاء في المادة 46 من الميثاق “يعاقب بالحبس من 3 سنوات إلى 5 سنوات وبغرامة مالية من 250 ألف دينار إلى 500 ألف دينار (بين 1875 و3745 دولارا) كل من يستعمل من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتدي بها للمساس بمؤسسات الجمهورية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية”.
مواقف متباينة واتهامات لباريس
وتباينت الآراء بشأن قضية كمال داود في بلاده، فبينما انتقده البعض بدعوى أنه يسيء لبلاده، دافع آخرون عنه وعن حقه في الإبداع.
وقبل إعلانه فائزا بالجائزة الفرنسية المرموقة، استغرب الكاتب الجزائري واسيني الأعرج ترشيح مواطنه للمنافسة على الجائزة بينما أقصي منها الكثير من الكتاب الجزائريين الذين ألفوا كتاباتهم “بهوية وطنية”.
وقال الأعرج في منشور له على فيسبوك، “فجأة يظهر كاتب صحفي من وهران هو كمال داود” وتساءل “هل القيمة الفنية هي المحدد الوحيد للجائزة أم موقف كمال داود من القضية الفلسطينية، اللغة العربية، ومما يحدث في بلده؟”.
في المقابل، عزا البعض الآخر “الحملة الشرسة” على كمال داود وعلى فوزه بالجائزة المرموقة إلى “الغيرة من طرف أشباه المثقفين بعد حصوله على جائزة Goncourt الأدبية”.
ويتزامن هذا النقاش أيضا مع حالة فتور تشهدها العلاقات الجزائرية الفرنسية مؤخرا، لا سيما بعد الزيارة التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، وتأييد باريس لسيادة المغرب على الصحراء.
في هذا السياق وتفاعلا مع الدعوى القضائية التي رفعت ضد داود، كتبت صحيفة “الخبر” الجزائرية ” أن محامية الضحية سعادة “لم يفتها التطرق إلى بعض الحقائق بخصوص علاقة كمال داود بالسلطة الفرنسية ومساهمة أطراف نافذة في منحه الجنسية وحتى في ضم اسم زوجته في صدارة قائمة اللاجئين التي تسهل حصولها على منصب عمل”.
كما نقلت عنها الصحيفة أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، “هو من ضغط على داود لإصدار الكتاب، حسب ما قالت لي صديقة مقربة من الكاتب”.
بدورها، عزت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية الضجة التي أثارها كمال داود ومواطنه بوعلام صنصال الذي أوقفته السلطات الجزائرية مؤخرا بعد عودته من فرنسا، إلى “تيار حاقد ضد الجزائر” و”لوبي لا يفوت أي فرصة للتشكيك في السيادة الجزائرية”.
وأوضحت الوكالة أن “هذا اللوبي الحاقد قد مر بأسبوع سيء فيجب تفهمهم. أولا، أحد محميهم، وهو كمال داود، قد ضبط متلبسا باستغلال معاناة ضحية للإرهاب في الجزائر من أجل الحصول على جائزة +غونكور+”.
المصدر: الحرة