استخدم الباحثون في مختبر أرجون الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية أسرع حاسوب فائق على هذا الكوكب لتشغيل أكبر محاكاة فيزيائية فلكية للكون أجريت على الإطلاق.
وقد تحقق هذا الإنجاز باستخدام حاسوب “فرونتير” الفائق في مختبر أوك ريدج الوطني، وهو من القوة بحيث يمكنه القيام بـ 1.35 كوينتيليون عملية حسابية في الثانية، أما حاسوب المنزل العادي فعادة ما يقوم بحوالي 3-4 مليارات عملية حسابية في الثانية، وهذا أقل قوة بحوالي تريليون مرة.
على الجانب الآخر، فإن حاسوب فرونتير يمتلك أكثر من 8 ملايين نواة، أما حاسوب المنزل فعادة ما يكون لديه 4-16 نواة.
محاكاة للكون
تعتبر المحاكاة الحاسوبية في الفيزياء الفلكية أداة حسابية قوية تستخدم لنمذجة الظواهر الفيزيائية الفلكية المعقدة التي لا يمكن دراستها بسهولة، بمعنى أن العلماء في نطاقات أخرى عادة ما يقومون ببناء التجارب لاختبار الفرضيات، لكن لأن النجوم والمجرات بعيدة جدا ونادرا ما تشهد تغيرات كبيرة لأن أعمارها طويلة جدا، فإن العلماء يحاولون تسريع الزمن للأمام لفهم مستقبل تلك الأجرام، أو للخلف لدراسة ماضيها، عبر المحاكاة، التي تستخدم الحوسبة عالية الأداء، والتي لا تتوفر في حواسيبنا المنزلية.
وفكرة المحاكاة بسيطة، فلدى العلماء بيانات صادرة من عدد من التلسكوبات التي التقطت صورا في نطاقات مختلفة من الطيف الكهرومغناطيسي في أزمنة مختلفة، وكذلك إشعاع الخلفية الكونية والبيانات المتاحة عن نشأة الكون الأولى ومعدلات توسعه، وقوانين الفيزياء التي توصل إليها العلماء من خلال مجموعة من الأرصاد والتجارب.
يجمع العلماء هذه البيانات في مكان واحد، وهو الحواسيب الفائقة مثل فرونتير، ويطلبون منها محاكاة الظروف الأولى لنشأة هذا الكون بناء على البيانات المتاحة.
تبسيط المجرات
في هذه الحالة فإن العلماء يلجؤون لعدة حيل للحصول على نتائج دقيقة رغم أنهم لا يمتلكون كل البيانات الممكنة، منها مثلا الاقتطاع، فهم لا يتمكنون من محاكاة كل الكون لأن ذلك يتطلب حاسوبا فائق القوة لا نمتلكه، فيقومون بمحاكاة قطعة من الكون بعرض وطول 10 ملايين سنة ضوئية مثلا.
ومنها كذلك التبسيط، فمثلا لحساب سرعة الأرض لا يجب عليك إضافة نشاطنا البشري على سطحها، رغم أنه مؤثر (بقدر يسير جدا)، وهنا تحدد المجرات مثلا كوحدات كتلية لا أكثر، ومن ثم تنطلق المحاكاة لبحث مستقبل هذه المجرات أو ماضيها.
وبحسب بيان صحفي رسمي من مختبر أوك ريدج الوطني، قام العلماء بإدماج البيانات من نوعين من المادة في هذا الكون ضمن المحاكاة الجديدة، الأول هو المادة العادية، تلك التي نختبرها كل يوم، وهي التي تُكوِّن النجوم والمجرات والكواكب.
أما النوع الثاني من المادة فهو المادة المظلمة، تلك التي لا يتمكن العلماء من رصدها بشكل مباشر، لكنهم يرصدون أثرها الجذبي على المجرات والنجوم البعيدة، ويقدر العلماء أن هذا النوع من المادة يمثل حوالي 27% من تركيب الكون، بينما تمثل المادة العادية حوالي 5% فقط من تركيبه.