تعد الأحافير من الوسائل الرئيسية لدراسة التطور البيولوجي للكائنات الحية. غير أن أحافير أحد الحيوانات الغامضة المكتشفة منذ أكثر من نصف قرن ما زال غير معروف الهوية، هل من الفقاريات أم لا؟
أثارت حفرية “مسخ تولي” (Tullimonstrum gregarium) -وهي لحيوان غامض عاش قبل حوالي 300 مليون عام- دهشة علماء الأحافير لأكثر من نصف قرن، إذ يصعب تصنيفه بسبب تشكلات جسمه الغريبة.
ومؤخرا، اقترحت مجموعة من الباحثين فرضية تفترض أن “مسخ تولي” ينتمي إلى الفقاريات، وأنه يشبه الأسماك اللافكية مثل سمكة الأنبوب والأسماك الوحلية. إذا كان الأمر كذلك، فقد يسد “مسخ تولي” فجوة في تاريخ التطور المبكر للفقاريات، غير أن هناك تناقضا كبيرا في الدراسات الحديثة بشأن تصنيفه.
وحديثا استخدمت دراسة بحثية أجراها باحثون يابانيون -ونشرت في دورية “باليونتولوجي” (Palaeontology) في 16 أبريل/نيسان الماضي- تقنية تصوير ثلاثية الأبعاد وكشفت عن خصائص مفصلة لمسخ تولي تشير بشكل قوي إلى أنه من اللافقاريات. ومع ذلك، لم يتم تحديد تصنيفه بالضبط ونوع اللافقاري الذي ينتمي إليه.
مسخ غريب في موقع جيد الحفظ
في الخمسينيات من القرن الماضي، كان فرانسيس تولي يستمتع بهوايته في البحث عن الأحافير في موقع يعرف باسم “ميزون كريك لاغرشتات” (Mazon Creek Lagerstätte) في ولاية إيلينوي بالولايات المتحدة، عندما اكتشف ما سيعرف لاحقا باسم “مسخ تولي”.
غير أن هذا المسخ البحري الذي يبلغ طوله 15 سنتيمترا، ويعود تاريخه إلى ما يقرب من 300 مليون عام، بات لغزا محيرا للعلماء منذ اكتشافه، إذ لم يستطيعوا إدراجه في موقع تصنيفي معين بين سلسلة الكائنات الحية.
وعلى النقيض من عظام الديناصورات والكائنات التي تتميز بالدروع الصلبة والتي غالبا ما يتم العثور عليها كأحافير، فإن مسخ تولي كان لين الجسم.
ويعتبر موقع “ميزون كريك لاغرشتات” من الأماكن المشهورة للغاية بين علماء الأحافير والجيولوجيين، إذ يتميز هذا الموقع بتشكيلة واسعة من الصخور والطين التي تحتوي على حفريات حيوانات بحرية ونباتات وحيوانات برية تعود إلى فترة الكربون المتأخرة (حوالي 300 مليون سنة مضت).
ويعتبر الموقع فريدا من نوعه، نظرا لأن الحفريات التي يحتوي عليها غالبا ما تكون ناعمة الملمس وتحمل تفاصيل دقيقة عن الأحياء التي عاشت في تلك الفترة، مما يجعل من الممكن استنتاج معلومات قيّمة حول تطور الحياة في ذلك الوقت.
وفي عام 2016، اقترحت مجموعة من العلماء في الولايات المتحدة فرضية تشير إلى أن مسخ تولي كان حيوانا فقاريا. وإن كان ذلك صحيحا، فقد يفك هذا اللغز الكيفية التي تطورت بها الفقاريات.
حسم الجدل بشأن وحش تولي
وعلى الرغم من المجهودات الكبيرة المبذولة، تم نشر دراسات بعضها تؤيد وبعضها ترفض هذه الفرضية في السنوات الأخيرة. غير أن الدراسة الحديثة التي قام بها فريق من جامعة طوكيو (University of Tokyo) وجامعة ناغويا (Nagoya University) اليابانيتين قد وضعت حدا لهذا النقاش.
درس الفريق أكثر من 150 مسخ تولي متحجرا وأكثر من 70 متحجرا آخر لحيوانات متنوعة في موقع “ميزون كريك”، واستطاع الفريق إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد ملونة لتلك الأحافير، والتي أظهرت التباينات الدقيقة الموجودة على سطح هذه الكائنات.
وأظهرت هذه البيانات ثلاثية الأبعاد أن الميزات التي استخدمت سابقا لتصنيف مسخ تولي كحيوان فقاري ليست متسقة في الواقع مع تلك الموجودة في الفقاريات.
وطبقا للتقرير الذي نشرته جامعة طوكيو، يقول تومويوكي ميكامي، الباحث في المتحف الوطني للطبيعة والعلوم وقائد الدراسة “بناء على عدد من الأدلة، فإن فرضية كون مسخ تولي حيوانا فقاريا لا يمكنها الصمود، إذ إن لمسخ تولي تقسيمة في منطقة رأسه الممتدة من جسمه، وهذه الصفة غير معروفة في أي سلالة من الفقاريات، مما يشير إلى أنه ذو صلة بغير الفقاريات”.
وعلى الرغم من ثقة الباحثين في هذه الدراسة بأن مسخ تولي ليس من الفقاريات، فإنه ما زال يتعين عليهم في الخطوة التالية تصنيف مجموعة الكائنات التي ينتمي إليها مسخ تولي، إذ ربما يكون من الحبليات اللافقارية (مثل الحيوانات الشبيهة بالأسماك المعروفة باسم السهيمات) أو يكون نوعا من أوليات الفم (مجموعة متنوعة من الحيوانات تضم على سبيل المثال الحشرات والديدان الدائرية والدودة الأرضية والحلزونات).