في واقعة أثارت الكثير من الجدل، أقدمت نخب من المجتمع المحلي في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، على تدمير وإتلاف كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون المخدرة، وفقا لما أفاد رئيس تحرير شبكة “السويداء 24″، ريان معروف، والذي أوضح لموقع “الحرة” أن هذه العملية تنطوي على رسائل مهمة على الصعيدين الدولي والإقليمي.
وقال معروف إن إتلاف نحو 200 ألف حبة كبتاغون قد جرى، يوم الخميس، بحضور ممثلي فعاليات دينية واجتماعية، ووجهاء المحافظة وقيادات من حركة “رجال الكرامة” والفصائل المحلية الأخرى.
وأشار معروف إلى أن اكتشاف تلك الشحنة الكبيرة من المخدرات كان قد جرى عن طريق الصدفة، وذلك بعد أقدم أحد سكان محافظة السويداء على شراء شاحنة كبيرة، حتى تكون مورد رزق له من خلال نقل بضائع إلى دول الخليج العربي.
“رسالة لدمشق”.. مصادر تكشف تفاصيل “الغارات الأردنية” ومقتل “الرمثان”
نفذ الأردن ضربتين جويتين، الإثنين، ضد موقعين لتجارة المخدرات جنوبي سوريا، بحسب ما نقلته رويترز عن مصادر أشار بعضها إلى أن الاستهداف بمثابة “رسالة” إلى النظام السوري بألا يخطئ فيما يخص تصميم عمّان على مواجهة أزمة المخدرات.
وأوضح ذلك المواطن الذي لم يتم الكشف عن هويته أنه اشترى تلك الشاحنة بمحافظة حمص، وسط البلاد، وذلك قبل أن يأخذها إلى ورشة صيانة بإحدى البلدات في محافظة ريف دمشق.
ولاحظ مالك تلك الشاحنة بعد استلامها من الورشة وجود زوائد لم تكن موجودة وتسبب احتكاكًا بالإطارات، وبالتالي قرر أن يفحصها في ورشة أخرى في السويداء، حيث تم العثور على الحبوب المخدرة بعد فك الزوائد التي جرى تركيبها في الورشة السابقة.
واعتبر معروف في تصريحاته إلى موقع “الحرة” أن إتلاف تلك الكميات في محفل عام وبحضور فعاليات دينية واجتماعية وسياسية من محافظة السويداء، يحمل رسالة مفادها: “أن المجتمع المحلي برمته يرفض هذه الظاهرة (تصنيع ونقل والإتجار بالمخدرات)، وأنهم يد واحدة في مكافحتها”.
مصادر: الأردن يقصف مخابئ ومستودعات لتجار مخدرات مرتبطين بإيران في جنوب سوريا
أكدت مصادر استخباراتية محلية وإقليمية لرويترز أن الأردن شن عدة غارات جوية، الخميس، داخل سوريا على طول حدوده مع جارته الشمالية استهدفت مستودعات ومخابئ لمهربي المخدرات المدعومين من إيران.
وتابع: “والرسالة الثانية توضح أن المجتمع المحلي لمحافظة السويداء لا يستطيع لوحده أن يوقف هذه الظاهرة الخطيرة التي تقف وراءها قوى بإمكانيات كبيرة مثل النظام السوري وميليشيات حزب الله والفصائل الموالية لإيران، وبالتالي لابد من وجود آلية للتعاون الدولي والإقليمي”.
“أساليب جديدة للنظام”
من جهته، أوضح الباحث والأكاديمي السوري، الدكتور فايز القنطار، في حديثه إلى موقع “الحرة” أن “تفاصيل ما حدث يبين قدرة عصابات التهريب على ابتكار أساليب جديدة للاستمرار في تدفق بضاعتهم القاتلة، وهي أساليب تهدف الإيقاع بالأبرياء واستخدامهم لأغراض نقل المخدرات”.
وأضاف: “بعد فشل المحاولات الأردنية في حمل النظام الأسدي على وضع حد لعصابات التهريب، أصبح من الواضح ضلوع بعض أجهزته في هذه التجارة، خصوصا الأمن العسكري وحزب الله والفرقة الرابعة التي تنتشر في بعض مناطق الجنوب، وأمام سطوة هذه العصابات وقدراتها الفنية واللوجستية، لا بد من مواجهتها بأساليب أكثر فعالية”.
وكان الجيش الأردني قد كثف في الأسابيع الأخيرة حملته على تجار المخدرات داخل الأراضي السورية، كما اشتبك أيضا خلال الشهر الماضي مع عشرات الأشخاص الذين يشتبه بأنهم صلات بجماعات مسلحة موالية لإيران، والذين كانوا يحملون كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات بعد أن تسللوا عبر الحدود مع سوريا.
ويتهم الأردن وحلفاؤه الغربيون حزب الله اللبناني وفصائل مسلحة أخرى موالية لإيران تسيطر على جزء كبير من جنوب سوريا بالوقوف وراء زيادة التهريب، بحسب وكالة رويترز.
وترفض إيران وحزب الله هذه المزاعم ووصفاها بأنها مؤامرة غربية على سوريا، التي تنفي التواطؤ مع فصائل مسلحة مدعومة من إيران تربطها المعارضة بقواتها الأمنية.
وفي سياق ذي صلة، أكد معروف أن الكثير من سائقي الشاحنات قد يكونون متورطين في تهريب الكبتاغون عبر الحدود دون علم منهم، كما أثبتت الواقعة الأخيرة.
من جهته، أوضح رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديثه إلى موقع “الحرة”: “أن مثل هذه الواقعة تثبت مدى استعداد النظام السوري لاستغلال أفراد بسيطين في عمليات التهريب سواء بعلمهم أو عن طريق استغلالهم وإجبارهم على مثل هذه الأفعال”.
وتابع: “من الصعب في مثل هذه القضايا التمييز بين السائقين المتورطين بعلمهم، أو أولئك الذين جرى استغلالهم دون معرفتهم المسبقة بوجود مخدرات في مركباتهم، وبالتالي فإن الفئة الثانية معرضة لانتهاك الكثير من حقوقها الإنسانية والاقتصادية”.
وأردف: “عند اعتقال الذين تورطوا دون علم منهم فإنهم سوف يواجهون عقوبات الإعدام أو السجن لمدة طويلة، بالإضافة إلى مصادرة مركباتهم التي تعد مصدر رزق عائلاتهم، وما ينجم عن ذلك من تداعيات اقتصادية مؤلمة”.
وكان مسؤولون أردنيون قد ذكروا لوكالة رويترز إن المملكة حصلت على وعود بمساعدات عسكرية أميركية لتحسين الوضع الأمني، كما قدمت الولايات المتحدة بالفعل نحو مليار دولار لإنشاء نقاط حدودية منذ بدء الصراع السوري في 2011.
وقال خبراء من الأمم المتحدة ومسؤولون أميركيون وأوروبيون إن تجارة المخدرات غير المشروعة تمول الفصائل المسلحة الموالية لإيران والقوات شبه العسكرية الموالية للحكومة في سوريا والتي ظهرت خلال الصراع المستمر منذ أكثر من عقد.
ويقول مسؤولون في مجال مكافحة المخدرات من الولايات المتحدة والغرب إن سوريا التي مزقتها الحرب أصبحت الموقع الرئيسي في المنطقة لتجارة مخدرات بمليارات الدولارات، وبات الأردن طريق عبور رئيسيا للأمفيتامين السوري الصنع، المعروف باسم الكبتاغون، إلى دول الخليج الغنية بالنفط.
وهنا يوضح الدكتور قنطار أن “عصابات التهريب قد جعلت من الجنوب السوري معبرا، بما يشكله ذلك من خطر على المجتمع المحلي، ويتمثل هذا الخطر في أن تصيب المخدرات أبناء هذا المجتمع”.
وتابع: “كما أن المجتمع المحلي يدفع الأثمان من أرواح المدنيين نتيجة الحرب بين عصابات التهريب والجيش الأردني، حيث فقدت قرى السويداء في الشهر الماضي أكثر من عشرة من الأبرياء سقطوا على هامش قصف الطيران الأردني لبعض مراكز التهريب”.
وشدد القنطار الذي ينتمي إلى محافظة السويداء على أن “رجال الكرامة والمجتمع الأهلي يقومون بحملة واسعة لمواجهة هذه الظاهرة الخطرة، فمجتمع السويداء لا يقبل باستمرار هذا الوضع، وهناك تحرك شعبي واسع لمنع تحول جبل العرب لأن يكون ممراً أو مستقراً للمخدرات.
ونوه إلى أن تلك الفصائل “تحتاج إلى دعم عربي وتنسيق الجهود مع الأردن والتعاون التقني والاستخباري وتزويد هذه الفصائل بالوسائل المناسبة لمساعدتها في منع هذه التجارة وقطع الطريق على عصابات التهريب”.
وشدد على أن دعم هذه المجموعات في السويداء والتنسيق معها وتزويدها بالأدوات والمعلومات، هو السبيل الوحيد لمكافحة فعالة لتهريب المخدرات”.
وختم بالقول: “على المتضررين من هذه التجارة، خصوصا بلدان الخليج العربي المستهدفة من المخدرات الإيرانية، الانفتاح على المجتمع الأهلي في الجنوب السوري في درعا وفي السويداء لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد الجميع”.