صنعاء– يبدو حزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن أكثر الأحزاب اليمنية معاناة من الانقسامات، فقد توزع على أجنحة مختلفة في الداخل والخارج، وضعف حضوره الكبير بعد رحيل مؤسسه الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.
وبمناسبة الذكرى السنوية الـ42 لتأسيس المؤتمر الشعبي، أقام الحزب الخميس الماضي ندوة في صنعاء، حضرها عدد محدود من القيادات “المؤتمرين”، على رأسهم الشيخ يحيى الراعي رئيس مجلس النواب، والدكتور عبد العزيز بن حبتور عضو المجلس السياسي الأعلى والرئيس السابق لحكومة صنعاء غير المعترف بها دوليا.
وباعتقاد الدكتور ثابت الأحمدي عضو اللجنة الدائمة (المركزية) بالمؤتمر، فإن “الانقسام الحادث في الحزب هو انعكاس لانقسام الدولة نفسها، لأن المؤتمر كان الحزب الحاكم على الأقل حتى عام 2012”.
ورأى الأحمدي، المقيم في السعودية، في حديث للجزيرة نت، أن “طبيعة الأحزاب الحاكمة في كل دول العالم الثالث لها تركيبتها الخاصة في الحكم، والانقسام الحادث داخل بنية الصف المؤتمري ليس بدعا في كل الأحزاب السياسية اليمنية القائمة”.
وأضاف أن “صورة المؤتمر أكثر وضوحا، بحكم تكوينه الشعبي والسياسي الكبير. وبحكم الشفافية التي اتخذها منهجا له، فكل شيء في المؤتمر الشعبي أمام أعين الشعب، ولا يكاد يخفي سرا”.
-
لماذا بات علاج انقسام الحزب صعبا في الوقت الراهن؟
رأى الأحمدي أن “تصدّع المؤتمر لافت وقوي وواضح نتيجة لأكثر من هزة وأكثر من مؤامرة تعرض لها المؤتمر، ولكن رغم فداحتها وسعتها وقوتها سيلتئم شتاته “فورا عقب عودة الدولة، وعقب المؤتمر الثامن للحزب الذي سيعيد ضبط بوصلته. ونأمل أن يكون ذلك قريبا”.
من جانبه، يرى الدكتور عادل الشجاع، القيادي بالمؤتمر الشعبي، المقيم في فرنسا، أن “المؤتمر بصفته حزبا وطنيا يظل هو الأقرب إلى طبيعة اليمني الذي تزعجه القيود والأيديولوجيات، فهو حزب لا يرتكز على الأيديولوجيا بقدر ما يرتكز على التفاعل الكيميائي لجميع الأفكار”.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الشجاع إن “انقسام المؤتمر هو نتاج للانقسام الوطني الذي أصاب اليمن ككل، ولأن المؤتمر هو جزء من هذا الوطن فلا شك أنه تأثر بذلك. وهذا الانقسام على مستوى القيادات، وهم أفراد تجمعهم المصلحة الشخصية وليس لهم قواعد حقيقية، بقدر ما يمتلكون من أدوات إعلامية تضخّم حجمهم، فضلا عن المال الذي يتقاضونه من دول خارجية والذي جعلهم يظهرون كأنهم مكونات حقيقية”.
بدوره، يؤكد مدير مركز “أبعاد للدراسات” عبد السلام محمد أن “الانقسام داخل المؤتمر من الصعب جدا علاجه، ويحاول أعضاؤه أن يصبح رفع العقوبات الأممية عن نجل صالح نقطة تحول في إنعاش الحزب، مع أن أحمد علي عبد الله صالح لا يمتلك القرار داخل المؤتمر وليست له القدرة على جمع شتاته وتوحيد أجنحته”.
وأشار محمد -في حديث للجزيرة نت- إلى وجود “جهات دولية وإقليمية تسعى لإعادة لملمة انقسامات المؤتمر الشعبي واستعادة صورته كحزب حاكم سابقا له شعبيته، ولكن المشكلة أكبر في انقساماته التي ستستمر ما بقي الوضع الراهن في اليمن قائما في ظل هيمنة 5 قوى على مناطق البلاد تمتلك أذرعا عسكرية وأمنية وتنظيمية قوية”.
-
كيف حدثت الانقسامات داخل المؤتمر الشعبي؟
أول انقسام شهده المؤتمر الشعبي كان عقب ثورة الشباب السلمية التي شهدها اليمن في عام 2011 إثر مجزرة جمعة الكرامة بصنعاء، إذ انشقت قيادات عسكرية وحكومية ودبلوماسية على رأسهم الفريق علي محسن الأحمر، وانضموا إلى شباب الثورة المطالبين برحيل صالح وإسقاط نظامه.
والانقسام الثاني حدث في أعقاب تولّي الرئيس عبد ربه منصور هادي الرئاسة بعد انتخابات فبراير/شباط 2012 التوافقية لمرحلة انتقالية وفقا للمبادرة الخليجية التي تنحّى بموجبها صالح عن السلطة.
فخلال تسلّم هادي الرئاسة أعلن رئاسته للمؤتمر الشعبي باعتباره رئيسا للجمهورية، وفقا لما تنص عليه لوائح الحزب، لكن صالح تمسك برئاسة الحزب كونه الرئيس المؤسس، وأطلق على نفسه صفة الزعيم، وقاد المعارضة لخلفه هادي رغم استحواذه وحزبه على نصف الحكومة ومفاصل مقاليد الدولة العسكرية والأمنية، فأدى ذلك إلى انقسام المؤتمر الشعبي إلى قسمين أساسيين:
- الأول مع “الشرعية” بقيادة هادي، وانضم إليه الفريق علي محسن الأحمر قائد “الفرقة الأولى مدرع” سابقا ونائب رئيس الجمهورية لاحقا، والراحل عبد الكريم الإرياني وزير الخارجية الأسبق، وأحمد عبيد بن دغر رئيس مجلس الشورى حاليا ورئيس الحكومة سابقا، ورشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي حاليا، وسلطان البركاني رئيس مجلس النواب حاليا، وأغلب القوى السياسية والحزبية مثل التجمع اليمني للإصلاح.
- أما القسم الثاني الذي كان بقيادة صالح الذي تحالف مع الحوثيين في بسط سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومحافظات شمال البلاد وغربها، فقد انضم إليه صادق أمين أبو رأس رئيس المؤتمر الشعبي حاليا، ويحيى الراعي رئيس مجلس النواب في صنعاء، وقوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي وأغلب قيادات المؤتمر بالداخل من عسكريين ومدنيين وقبائل.
وزاد شرخ المؤتمر الشعبي مع انضمام قيادات كبيرة ووازنة إلى صف الرئيس هادي في أعقاب اندلاع الحرب في عام 2015، وتدخل التحالف العسكري ضد سيطرة أنصار الله الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحافظات الشمال واقتحام عدن.
وجاء الانقسام الأخير عقب مقتل الرئيس صالح في صنعاء بعد مواجهات عسكرية مع حلفائه الحوثيين، وفرار نجل شقيقه العميد طارق صالح الذي شكل قوات حراس الجمهورية برفقة قيادات عسكرية وسياسية من المؤتمر اصطفوا بجانبه وأسسوا مجلسا سياسيا باسم “المقاومة الوطنية”، ثم اقترب طارق صالح من الحكومة اليمنية وصار عضوا بمجلس القيادة الرئاسي.
-
ما الدور المحتمل لنجل صالح في مستقبل المؤتمر واليمن؟
امتنع القيادي المؤتمري ثابت الأحمدي عن التكهّن بأي دور سياسي لأحمد علي عبد الله صالح خلال المرحلة القادمة، مضيفا “على أي حال، نأمل أن يمثل أي دور قادم له إضافة إيجابية على صعيد القضية الوطنية، لا سيما أن الرجل ابن الدولة بمؤسساتها الراسخة، وصاحب تجربة جيدة سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، فقد كان عضوا في البرلمان وعلى رأس قيادة الحرس الجمهوري”.
أما عادل الشجاع فيعتقد أن نجل صالح “يظل صاحب الأسهم العالية في هذه الأزمة لأنه كان بعيدا عن الحرب ولم يتلوث بالدماء، فهو مطلب داخلي وإقليمي ودولي، لو أحسن التعاطي مع هذه الدوائر الثلاث واستخلص لنفسه فريقا من المستشارين المتخصصين. أما لو أبقى على الدائرة التي حوله فلا أظن أنه سيقدم شيئا وسيحرق نفسه عند أول منعطف”.
وخلافا لذلك، يقول الباحث عبد السلام محمد إن “أحمد علي عبد الله صالح لا يتمتع بكاريزما والده الرئيس الراحل، ولا يمكنه إعادة الحزب للدولة، لكن دوره سيكون مشروطا بدعم إقليمي ودولي، من أجل لملمة صفوف حزب المؤتمر، ولكن هل يمكنه القيام بذلك الدور؟ يُترك ذلك لقادم الأيام”.
-
متى وكيف أُسّس المؤتمر الشعبي؟
تولى الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح رئاسة الجمهورية في صنعاء (اليمن الشمالي سابقا) في 17 يوليو/تموز عام 1978، وبعد 4 سنوات أعلن تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في 24 أغسطس/آب 1982.
وضمّ الحزب عند تأسيسه تيارا واسعا من القوى المجتمعية من المشايخ والعلماء والأكاديميين ورجال المال والأعمال والتيارات الحزبية والفكرية وتحديدا اليسارية البعثية والناصرية والاشتراكية، إلى جانب الإسلاميين من إخوان وسلفيين وجماعات الشيعة الزيديين، وحتى الليبراليين والرأسماليين.
وظل صالح رئيسا لحزبه المؤتمر الشعبي 35 عاما حتى رحيله في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017، عقب مواجهات عسكرية في صنعاء مع حلفائه أنصار الله الحوثيين، بينما بقي حزبه المؤتمر شريكا لهم في المجلس السياسي الأعلى وفي حكومتهم غير المعترف بها دوليا.